حرب التصريحات حول المعونة الأمريكية لمصر لم تتوقف أبدا خلال الثلاثين عاما الماضية ، وكما تتعرض السلطة الحاكمة في مصر الآن لتهديدات بوقف المعونة أو قطعها او الغائها من جانب مصادر دبلوماسية وسياسية امريكية ، سبق ان تعرضت السلطة الحاكم السابقة لنفس التهديدات في ظروف مختلفة ومتنوعة . اختلاف الأسباب لا يعني أن شيئا من قواعد اللعبة قد تغير كما ان اختلاف السلطة الحاكمة في مصر أو الحزب الحاكم في الولاياتالمتحدة لا يؤثر الا في حدود طريقة المعالجة ولغة الخطاب المتبادل . السبب الحالي المباشر لاثارة الموضوع كان الطريقة التي تعاملت بها حكومة الثورة مع ملف التمويل الأجنبي واحالته الي هيئة قضائية قبل تسويته سياسيا ، وكانت العادة ان يتم التضاغط السياسي للوصول الي تسوية قبل احالة الموضوع الي القضاء ، لأن احالة الأمر الي القضاء المستقل يعقد المسألة الي حد كبير ، ويضع السلطات في بلادهم في حرج شديد . وسط انقسام حاد في المواقف خلال جلسة ساخنة بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، طالب الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بعدم قطع المساعدات الأمريكية عن مصر، خاصة الجانب العسكري منها وذلك علي خلفية قضية التمويل غير المشروع لمنظمات غير حكومية. وفي المقابل، تصاعدت الدعوات إلي قطع تلك المساعدات وتوجيه رسالة قوية إلي القاهرة باعتبار أن الوضع غير مقبول، حيث قال ديمبسي- في جلسة استماع إن هذه الخطوة من شأنها الإضرار بتحالف رئيسي مع شريك استراتيجي في الشرق الأوسط،. وفي الوقت نفسه، استبق السيناتور الجمهوري جون ماكين زيارته القاهرة الإثنين المقبل علي رأس وفد من أعضاء الكونجرس بإعلان مساندته اقتراح وقف المعونة، وقال: إن علاقاتنا بمصر حيوية، لكن راحة مواطنينا هي أكثر حيوية وأهمية. هكذا ظهر ملف المعونة الأمريكية لكي يستخدم كوسيلة ضغط ليس الا لأن كلا الطرفين يعلم ان المصلحة العليا هي فقط التي تحكم ملف المعونة وغيره من ملفات العلاقات الخارجية ، والمصلحة العليا للدول لا تحكمها الانفعالات المندفعة التي يقوم بدورها مصادر اعلامية او سياسية متحررة من الالتزام الحكومي فتهدد أو تهاجم ولمن في النهاية يحكم الملف مدي الاحتياج الحقيقي لكلا الطرفين للمعونة او غيرها . لعلنا نلاحظ أن الرئيس الأمريكي أدرج في موازنته للعام المقبل مبالغ المعونة العسكرية لمصر كما هي رغم الأزمة ، قد يتلكأ الكونجرس أو مجلس الشيوخ في اقرارها لكن في النهاية مصلحة الولاياتالمتحدة هي التي تحدد اذا كانت ستستمر او لا تدفع في ظل رفض مصر لأية شروط اضافية في هذا الشأن ، غير شرط المحافظة علي السلام في الشرق الأوسط بما لايتعارض مع المصالح المصرية .