عاشت مصر خلال العصور الكثيرة الماضية أساليب حكم تغيرت أسماؤها ولم تكن تتغير مضامينها وترتب علي هذه الأساليب التي انتجت حضارات وذابت فيها حضارات أخري.. ثقافة أو اسلوب عمل أتصور أنه اذا امكننا بعد ثورة 25 يناير أن نغيره سيكون عطاء المجتمع المصري داخليا وخارجيا أفضل بكثير. كان هناك دائما رأس للدولة "إله".. ويعمل تحته مجموعة من "الكهان" بينما يقوم بأداء العمل "العبيد".. وحين جاء عصر السلطنة العثمانية كخلافة دينية.. تولي علي أرض مصر "وال" يعمل تحته مجموعة من "السناجق والمماليك" يضمن ولاءهم بمنحهم قطع من أرض مصر يسيطرون عليها، ومما يروي أن المملوك كان يحدد بحدود ما يعطي بأن يسير مركب في النيل من المدينة الممنوحة له شمالا وجنوبا بحيث تعود قبل الغروب فتكون هذه حدود سلطاته الممنوحة له من ولي النعم. ومازال البعض منا يذكر مقولة خديوي مصر عندما ثار عليه أحمد عرابي في ميدان عابدين عندما قال له: "هذه الأرض ملك لنا وما أنتم إلا عبيد احساناتنا". وعشنا حتي أعوام قليلة مضت عندما سأل رئيس الجمهورية محافظ الشرقية علي الهواء.. عن مكان ميلاده.. فإذا السيد المحافظ يرد عليه "اللي سيادتك تشوفه يا فندم" وكان ذلك تلخيصا لكل ما سبق من ثقافة عمل.. ان كل مسئول عليه ان يرضي الأكبر منه في التسلسل الوظيفي مستجيبا لكل رغباته ومقننا له كل ما يريد.. وكان كل إبداع من يعمل أن يبهر من يعمل عنده ليرضي عنه بصرف النظر عن نتيجة ذلك الإبداع علي العمل نفسه. وحتي في لغتنا العربية نجد أن لفظ الحكومة يأتي من التحكم ولفظ السلطة يأتي من التسلط ونجدها عند الشعوب أخري تسمي "الإدارة" من رئيس الجمهورية إلي آخر السلم الوظيفي.. يعاون الرئيس وزراء يسمي كل منهم سكرتيرا لديه من القدرات الإدارية والسياسية ما يجعله يشكل معه مجموعة عقول من المتخصصين الذين يقدمون له الدراسات اللازمة لتحقيق ما هو منوط بوزارته وتسمي الإدارة الحكومية "إدارة الخدمة المدنية" وتكون "الهيبة" يشعر ويعترف بها الجميع.. ليست هيبة الحكومة وموظفيها.. ولكن "هيبة القانون" الذي يسري علي الجميع ويحترمه الجميع حكاما ومحكومين. لقد ظللنا عصورا طويلة في علاقة عمل يضبطها فلسفة التسيد.. وليس التكامل وعشنا حكاما ومحكومين في فلسفة أداء نتيجة سلبية المحكومين وتسيد الحاكمين هي "الحكومة تعمل ما تريد والشعب يعمل ما يريد.. والكل يبات متهني"! والمطلوب بعد ثورة 25 يناير وتعرفنا علي سلبياتنا "حكاما ومحكومين" ووجود توجه عام بضرورة المشاركة في الأداء في كل موقع من ثقافة التسيد إلي ثقافة التكامل.. وان نعمل معا ولا نعمل عند بعضنا البعض.. فكل طرف في حاجة إلي أن يتكامل في عمله مع من يعلوه في مرتبة المسئولية ومع من يليه فيها، ويعمل الجميع لهدف محدد في أمد زمني محدد لينتج الجميع معا "كل في مكانه" منتجا يجعل كل واحد من الفريق فخورا بأنه عمل ضمن الفريق.. الذي أنتج من أجل مصر ما أنتج وليس من أجل توجيهات فريقه يتم فيها أن يعمل كل بما يرضي من اعطاه التوجيهات ويستعمل سلطاته علي من تحته في المسئولية وهكذا.. أداء من أجل ارضاء صاحب السلطة.. وليس من أجل انتاج ما يرضي وما يفخر به كل من شارك في الانتاج.