فلنتصارح ونقول بكل شفافية إن هناك شعورا متزايدا بأن المجلس العسكري لا يفعل ما يكفي لانقاذ الثورة من محاولات الاختطاف المتكررة من القوي المضادة لها وفي مقدمتهم أصحاب المصالح في النظام السابق. هذه حقيقة لم تعد جديدة ولكن الآن أصبحت قناعة لا غبار عليها يجمع عليها الثوار وغالبية القوي السياسية والاجتماعية، كما أن المجلس العسكري لا يجهلها.. نعم قد تسبب له القلق وتعكر عليه صفو إدارة شئون البلاد لكنه واع تماما بها وقد كتبت في مقال سابق وطرحت هذه الأفكار التي كانت لاتزال في مرحلة الشكوك آنذاك، واليوم أنا أعيد طرحها وقد تحولت إلي يقين والثقة التي ظلت تهتز وتتآكل هي الآن في مرحلة الخطر. وهذه الوضعية تسبب الاحباط لدي الشباب، وعندما يخرج المجلس العسكري ليوجه اللوم للمتظاهرين، وعندما يشاهد المجلس العسكري تكرار قمع المتظاهرين، في عصر الثورة، دون التعلم من دروس الماضي حول الحلول الأمنية القمعية البليدة، فإن هذا له معني واحد أنهم يشاهدون الثورة وهي تغتال وتخطف، والأخطر أنهم يسكتون علي ذلك، لكن الشباب الثائر لن يسكتوا ومتمسكون بمطالبهم وبحقهم في التعبير عن رفضهم للتباطؤ تجاه محاكمة مبارك والعادلي وكل رجال النظام السابق، الذين مازال بعضهم يدير البلد بنفس أسلوب يوم 28 يناير وما أشبه اليوم بالبارحة، بل إن بعضهم يقفون أمام المحكمة كمتهمين في الصباح وبعد الجلسة يعودون إلي مكاتبهم، وكأنهم فوق المحاكمة والعقاب، ويطلعون لسانهم للناس دون احترام لأهالي الشهداء المحروقين بنار فقد الأبناء قائلين: "اللي موش عاجبه يخبط راسه في الحيط". لابد للمجلس العسكري - ولن أقول وزير الداخلية منصور العيسوي - أن يوقف أولئك الذين يمارسون ضغوطا لدرجة التهديد والتنكيل علي أهالي شهداء الثورة، ومن الحكمة أن ينصت المجلس العسكري علي وجه السرعة لقصص يرويها أهالي الشهداء المكلومون عن المساومات من أجل فض اعتصامهم والتنازل عن القضايا المرفوعة ضد قيادات وزارة الداخلية، وغير خاف علي الشعب المصري أن أغلب مساعدي وزير الداخلية السابق حبيب العادلي ومديري الأمن مازالوا طلقاء ويمارسون عملهم، ولم يتغيروا.. لأنهم من المستحيل أن يغيروا تفكيرهم وقناعاتهم وأسلوب عملهم في عدة شهور، ويعلم المجلس العسكري أن بعض المسئولين في السجون يتعاملون مع العادلي علي أنه مازال سيادة الوزير، ومازال اسمه مصحوبا "بالبيه"، كيف لا وهم رجال، لذلك فهم يحكمون قبضتهم من أجل أن تظل الجلسات "سكوتي" رغم أن الأصل أن تكون المحاكمات علانية ومنع التصوير والحيلولة دون دخول أهالي الشهداء قاعات المحكمة، والطامة الكبري أن شبهة "طبخ الحكم" قوية، فالقاضي الذي يحاكم أمامه العادلي سمعته سبقاه، فهو الذي أصدر الحكم ضد أيمن نور، وهو الذي كانت تحال إليه بالاسم كل القضايا السياسية في عهد حسني مبارك، وكأنه لا يوجد قاض غيره في مصر الآن.. اضافة إلي "الطناش" من قبل الحكومة والمجلس العسكري بالنسبة لتعقب القناصة الذين قتلوا الشباب وهناك صور لهم أذيعت في عدد من القنوات إبان الثورة لو كانت لدي المجلس العسكري النية لجلبهم لفعل ذلك ومن الطبيعي في ظل هذا التكتم أن تزدهر الشائعات، وتغلي النفوس بالرغبة في الانتقام وتحتدم المشاعر للقصاص. ومما يزيد هذه القضية تأزما تأخر الحكومة عن صرف المستحقات لأهالي الشهداء والتكفل بعلاج الجرحي.. حيث ن هناك مهزلة تعيشها الثورة، ففي الوقت الذي تتكفل فيه الدولة منذ 5 أشهر لعلاج الرئيس السابق الذي لا نعلم شيئا عن حالته الصحية، فإن الثوار الذين أصيبوا يلقون معاملة سيئة منذ 11 فبراير الماضي، لا تليق بمن خاطروا بحياتهم من أجل أن نعيش حياة أفضل ونملك حلما بمستقبل مشرق. ويضاف إلي علامات الاستفهام السابقة، ذلك الغموض المتعمد والتعتيم حول الوضع الصحي لمبارك، وهو ما فتح الباب لازدهار شائعات حول أن المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي ربما يكون قد أعطي وعدا للرئيس المخلوع بعدم المساس به، وربما يكون هذا الوعد والالتزام قد تم تجاه دول صديقة أيضا، يزعجها أن يتم تقديم مبارك إلي المحاكمة وايداعه السجن كأي متهم عادي. ورغم أن عددا كبيرا من الناس مازالوا يحتفظون للمجلس العسكري بثقة من جراء تحمله أمانة موكول له تحقيقها وهي الانتقال بالبلاد إلي الحكم المدني، إلا أن هناك ملاحظات عند تقييم أداء المجلس منها أنه حتي الآن لم يكاشف الشعب حول ما حدث بالضبط يومي 28 و29 يناير، والحقائق التي في جعابه ولم يعلنها دون أن نعلم السبب لإخفائها