الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الذي أعلنت نتيجته الأحد، وقبول أكثر من 77% من المستفتين تلك التعديلات شابته العديد من السلبيات قبل وأثناء انعقاده، فهناك سلبيات شكلية لابد من لفت النظر إليها وكلها متعلقة بعملية تنظيم الاستفتاء، منها عدم وجود ختم في بعض أوراق التصويت، وعدم وجود حبر فسفوري كاف، واعتماد عملية إثبات الحضور من علي بطاقات الرقم القومي علي الطريقة اليدوية وليس من خلال الكمبيوتر، فكان من الأفضل أن يكون هناك برنامج كمبيوتر يحتوي علي أرقام بطاقات الرقم القومي للذين لهم الحق في التصويت ومقسمة وموزعة علي المحافظات المختلفة، حتي يسهل التعرف علي صاحب البطاقة وإثبات حضوره ومشاركته في الاستفتاء وتسجيل ذلك، لمنع تكرار عملية التصويت في أكثر من مكان أي يكون هناك في المستقبل تصويت الكتروني. والأهم من ذلك وكاد يفسد أول اختبار سياسي بعد ثورة يناير، وأول استفتاء حقيقي في مصر، هو الحرب الطائفية التي سبقت عملية الاستفتاء واستمرت أثناء عملية التصويت، فقد يكون من الأمور العادية أن تنتشر إعلانات علي صفحة كاملة بها صور مشاهير من ساسة وفنانين ومثقفين يرفضون التعديلات الدستورية ويدعون إلي قول لا في الاستفتاء، ولكن أن يدفع مقابل تلك الاعلانات رجل أعمال قبطي، فهذا مرفوض، كما لا يجوز أن يطالب بعض رجال الكنيسة في عظاتهم من "شعبهم" بضرورة أن يقولوا "لا" للتعديلات حتي لا يسيطر الإخوان والسلفيون علي نظام حكم مصر، وفي المقابل طالب بعض خطباء المساجد في خطبة الجمعة المسلمين علي المشاركة في الاستفتاء وتأييد التعديلات الدستورية للحفاظ علي المادة الثانية من الدستور، وحتي لا يعطوا الفرصة للأقباط والعلمانيين تغييرها لأن تلك المادة في الدستور تنص علي أن دين الدولة الرسمي الاسلام والشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وهناك من المعارضين للتعديلات من يريد تحويل مصر لدولة علمانية في المستقبل، رغم أن تلك المادة لم تكن مدرجة أساسا في التعديلات المطروحة، وهذا لا يجوز أيضا. وكان هناك حشد من الجانبين الأقباط والإسلاميين - أمام اللجان يحاولون التأثير علي إرادة الناخبين "العقلاء" الذين أصروا علي المشاركة في الاستفتاء بحرية ودون أي تأثير سياسي أو ديني، ولولا يقظة رجال الشرطة والجيش لتحولت عملية الاستفتاء علي الدستور إلي حرب طائفية. وكان من المفترض بعد إعلان نتيجة الاستفتاء أن يتقبلها الجميع لانها إرادة الشعب، ولكن وجدنا تعليقات غير ديمقراطية وتتنافي مع مناخ الثورة من البعض، فهناك من يرجع ارتفاع نسبة المصوتين ب "نعم" إلي جهل العديد من الناخبين وانسياقهم دون تفكير إلي تأثير شيوخ عليهم كي يصوتوا بنعم، بل وشنت حربا شعواء علي السلفيين لأن شيخا منهم وصف الاستفتاء بغزوة الصناديق. علينا مادمنا اخترنا الديمقراطية طريقا وصندوق الانتخابات حكما، أن نرضي بإرادة الناخبين دون مواقف انقسامية أو إقصائية ممن لم تجئ نتيجة الاستفتاء علي هواهم لأن تلك هي قواعد اللعبة الديمقراطية. ولابد أن نعالج تلك السلبيات أثناء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية حتي لا تحرقنا نار الفتنة والإنقسام وعدم قبول الآخر، ونحرق إنجازات الثورة بأيدينا.