انتهي يوم السبت الماضي أفضل استفتاء في تاريخ مصر الحديث علي الإطلاق، والذي لم يحدث مثله في أي دولة عربية، بسبب استمرار روح ثورة 25 يناير، ورغبة الشعب في النجاح بتفوق في أول اختبار سياسي عملي بعد الثورة، بل ان مصر لم تعهد أي انتخابات محترمة منذ حوالي 35 عاما، أي منذ عهد الرئيس الأسبق السادات والتي سميت بانتخابات ممدوح سالم وزير الداخلية وقتئذ عام ،1976 ورغم اختلاف طبيعة اللجوء إلي صناديق الانتخابات في الحدثين إلا أن النزاهة والشفافية التي تمت فيهما كتبت في التاريخ السياسي المصري، لأن خلال الفترة الماضية وعلي مدي أربعة عقود لم تشهد مصر انتخابات محترمة وغير مزورة ولم يجر استفتاء يمكن أن يطلق عليه استفتاء شعبي جاد وصادق، بل ان كل الاستفتاءات التي أجريت سابقا كانت مزورة ومعروفة نتيجتها سلفا، وأيضا كانت مجرد تمثيليات ساقطة أخرجت بشكل كوميدي وساخر وبتأليف أقرب إلي السذاجة، وكانت نتائجها مفضوحة وتثير السخرية والاشمئزاز، لأنها كانت تعلن رسميا في معظمها بطريقة الأربعة تسعات، أي ان نتيجة 6 استفتاءات أجريت في السابق كانت علي الأقل - سواء علي تعديل دستوري أو اختيار رئيس الجمهورية - 99،99%، بل ان نسبة الحضور في تلك الاستفتاءات كانت تعلن بأنها حوالي 90% من عدد المقيدين في الجداول الانتخابية، علي أذكر أن أحد الاستفتاءات كانت نتيجته مختلفة بعض الشيء إذ كانت حوالي 97% ونشر في مانشيت إحدي الجرائد القومية الكبري والذي حرره رئيس التحرير بنفسه، كتب فيه ان نتيجة ال97% تدل مدي الشفافية التي كانت عليها عملية الاستفتاء ومدي الحرية التي تمت فيه، بل وجود وعي سياسي ناضج لدي الناخبين، وأيضا دليل قاطع علي تقدم العملية الديمقراطية لأن هناك 3% كانوا من المعارضين الرافضين للاستفتاء!، وفي جريدة قومية أخري هاجم أحد كتاب السلطة في مقاله القلة المأجورة التي قالت لا، والتي أرادت أن تفسد هذا العرس الديمقراطي، ولكن الشعب قال كلمته ولم يعط فرصة للمأجورين والقلة المندسة لإفساد الحياة السياسية في مصر، وقال في نهاية مقاله "تلك هي ضريبة حرية الرأي"! وبصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء وبلوغ المؤيدين للتعديلات الدستورية نسبة 77،2% والرافضين لها أكثر من 22% لأن القبول والرفض سيؤدي بنا إلي دستور جديد حتما، ولكن بآليات مختلفة مع اختلاف التوقيت، إلا أن هناك إيجابيات عديدة وأيضا سلبيات قليلة شابت عملية الاستفتاء، لابد من تسليط الضوء عليهما قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لأن الاستفتاء يعتبر بروفة مهمة لهما، وبالتالي علاج السلبيات ضرورة إذا أردنا انتخابات حقيقية قادمة، تجري في مناخ ديمقراطي صحي. ومن أهم الإيجابيات في الاستفتاء الذي أعلنت نتيجته بشفافية الأحد الماضي، قبول الرافضين لتلك التعديلات الدستورية نتيجة الاستفتاء دون تشكيك، وأيضا إعلان الذين قالوا لا أنهم يفكرون في المرحلة القادمة أي الانتخابات التشريعية وكيفية عمل دستور جديد من خلال الجمعية التأسيسية التي ستختار من أجل وضع دستور جديد، وأيضا من الإيجابيات هذا الإقبال الجماهيري علي الاستفتاء من مختلف الأعمار، ومن طوائف الشعب المختلفة، والتي لم تحدث في أي استفتاء في تاريخ مصر حيث بلغت نسبة الإقبال أكثر من 40% من الذين لهم الحق في التصويت -أكثر من 45 مليون ناخب- لدرجة جعلت لجانا انتخابية تستمر إلي الساعة الحادية عشرة مساء وطبع مليوني بطاقة تصويت جديدة، بل انصراف بعض الراغبين في التصويت دون المشاركة في الاستفتاء لضيق الوقت، بالإضافة إلي الإشراف القضائي الكامل علي عملية التصويت ودون أي تدخل من الشرطة أو الجيش، وبدون أي حوادث تذكر، بل لم يكن يتوقع نتيجته أحد إطلاقا علي عكس الاستفتاءات الصورية المزورة في السابق والتي كانت مطبوخة ومعروفة سلفا وقبل إجرائها. ولكن الاستفتاء شابته العديد من السلبيات قبل وأثناء انعقاده سأتحدث عنها في مقالي القادم غدا ان شاء الله [email protected]