إعادة دراسة أخطاء الماضي والنظر إلي تجارب الدول السابقة من أهم القواعد التي تدرس في مختلف جامعات العالم الآن حيث وجد أن الأزمات لا تحل بدون الاستفادة من تجارب الدول الأخري ولعل دول مثل تركيا وإيران وماليزيا وسنغافورة وروسيا والصين بالإضافة إلي البرزايل وإيران كانت من أوائل وأهم الدول التي نجحت في الخروج من محنتها وفق هذا المبدأ فبعد الأزمة الطاحنة، التي شهدها اقليمجنوب شرق آسيا 1997 توقع الجميع أن تموت تلك الدول وتنتهي. لكن وعلي غير العادة وفي زمن قياسي استطاعت تلك النمو أن تعود من جديد وبأقصي سرعة لدرجة اذهلت الجميع بعد أن فاق وتخطي حجم نمو تلك الدول إلي مستوي 10% حيث قامت دولة مثل ماليزيا بتطبيق سياسات حازمة بشأن الفساد والبيروقراطية كما قامت أيضا بإعادة توزيع ثروات البلاد علي الفقراء وكل أبناء الشعب وهو ما أدي إلي تقليل معدلات الفقر والبطالة ثم أغلقت الباب علي نفسها واعتمدت اعتمادا كليا علي مواردها من خلال إحلال المنتجات الوطنية مكان الواردات والعمل علي زيادة التصدير، عبر النمو الصناعي وهو ما أدي إلي تقليل فاتورة الاستيراد وخفض عجز الموازنة، وأيضا قامت ماليزيا بالاهتمام بقطاع الزراعة والاعتماد علي الكفاءات الوطنية ومحاربة الفساد الإداري والوظيفي والتوسع في القطاعات ذات الإنتاجية الأعلي، بالإضافة إلي عودة دور الدولة والمزج الجيد بين آليات السوق والتدخل الحكومي، كذلك اشراك مختلف الفئات الاجتماعية في عملية التنمية، وزيادة الأجور وتخفيف التضخم من خلال استعادة قيمة العملة لديها، أيضا تجربة الاقتصاد السنغافوري كان لها دوي كبير في الاوساط العالمية بعد أن باتت من أهم قواعد العالم المتخصصة في نقل البضائع حيث شرعت تلك الدولة الصغيرة في الاهتمام بتطبيق مبادئ الشفافية وزيادة الدعم المخصص للأبحاث وتطوير التعليم وربط الأجور بالإنتاجية حتي أصبحت الآن من أهم وأفضل وأشهر دول العالم. في نفس السياق تعتبر التجربة الكورية الجنوبية، من أكثر التجارب نضجا، بعد تحولها من الدولة الآسيوية الثالثة الأكثر فقرا إلي المرتبة الثالثة اقتصاديا في آسيا بعد الصين واليابان، بعد اعتمادها الرئيسي علي الصناعة خاصة السيارات وقطاع الاتصالات والتكنولوجيا حتي وصلت ايراداتها اليومية منها العام 2005 ما يفوق 300 مليون دولار، وهو ماساعد علي تقليص معدلات البطالة وزيادة طلبات معدلات العمل والوظائف. تايلند دولة صغيرة استطاعت بعد عامين من الأزمة علي النهوض من جديد من خلال الاهتمام والتميز بإنتاج الأثاث والمجوهرات والكمبيوتر وهو ما عمل علي زيادة صادراتها بشكل سريع مكنها من سداد معظم ديونها الخارجية. التجربة التركية أيضا تستحق النظر بعد أن بات الاقتصاد التركي الأكثر ديناميكية وتوافقا في العالم كله حيث شرعت تركيا علي تبني مفاهيم جديدة تتعلق بتطوير التعليم والانفتاح علي الآخر وزيادة معدلات التصنيع والإنتاج بالإضافة إلي زيادة حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية بعد تولي حزب العدالة والتنمية، الحكم سنة ،2002 حيث وصلت مديونية الدولة وقتها إلي مستويات تفوق قدرة الاقتصاد علي احتمالها، وزاد التضخم وارتفعت أسعار الفائدة بجنون وهربت الاستثمارات الأجنبية وانهار سعر صرف الليرة التركية، فعمل الحزب علي تحرير موارد الخزينة من عبء خدمة الدين، إلي حد كبير.فبعدما كانت أعباء الفائدة تمتص أكثر من 86% من الايرادات الضريبية، انخفضت هذه النسبة إلي 30%، وقد تزامن ذلك مع تحرير موارد القطاع المصرفي وتوجيهها لاشباع حاجات القطاع الخاص وتوليد النمو، وتوجيه التمويل المصرفي نحو تمويل الاقتصاد بدلا من تمويل الدولة، لدرجة أهن خلال فترة وجيزة تضاعفت حصة الفرد من الناتج المحلي ثلاث مرات وباتت تركيا المرشح الأكبر لتحقيق أعلي معدل نمو في القارة الأوروبية خلال الفترة القادمة. في حين يعتبر الاقتصاد الإيراني هو الاكثر تميزا والتجربة الأكثر جدلا في العالم خاصة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض علي تلك الدولة منذ سنوات عليها، حيث تشير الاحصائيات إلي حدوث نمو كبير في تلك الدولة التي باتت من أغني وأهم وأكثر دول العالم جدلا في الفترة الأخيرة بسبب سياستها الغامضة وقدرتها علي تلبية احتياجتها بصورة مثيرة وطبيعية برغم الحصار الاقتصادي المفروض عليها. إذن نستخلص من كل ذلك أنه لا يوجد مستحيل ولا خوف علي الاقتصاد المصري الذي يمكن إعادة بنائه بشكل سريع خاصة إذا استفدنا من تلك الخبرات السابقة وشرعنا في عمل إصلاحات جذرية خاصة بإعادة توزيع الثروات وتحسين مناخ الاستثمار والإيمان بقدسية العمل ومحاربة الفساد والمفسدين مع ضرورة تطوير التعليم ليتماشي مع متطلبات السوق، خاصة أن الاقتصاد المصري يمتلك قدرات ومزايا نسبية كثيرة عكس الصين مثلا التي تستورد كل المواد الخام من الخارج كذلك إيران التي تواجه حصارا اقتصاديا صعبا.