أصاب الاقتصاد المصرى على مدى قرابة الأسبوعين الماضيين حالة من الشلل التام فى ظل توقف التجارة والسياحة والبنوك. فالشركات العالمية الأمريكية مثل "كوكاكولا" "جنرال موتورز" اوقفت عملياتها فى مصر وسحبت موظفيها "غير المصريين" وكذلك فعلت الشركات الألمانية مثل "فولكس فاجن" وشركة التجزئة "مترو" والشركات الهولندية مثل "ايه بى موللر ميرسك" عملاق الشحن وشركة لافارج الفرنسية العاملة فى صناعة الأسمنت. كما خفضت إحدى وكالات التصنيف الائتمانى الكبيرة تصنيف ديون مصر السيادية وأشارت إلى أنها قد تخفضها أكثر. وتفاقمت خسائر الاقتصاد المصرى يومياً جراء شلل القطاعات المالية والصناعية والخدمية نتيجة استمرار الاضطرابات الجارية فقد افاد تحليل اقتصادى لبنك "كريدى اجريكول" بأن ما تعيشه مصر من تظاهرات احتجاج وانتفاضة شعبية كلف البلاد ما لا يقل عن 310 ملايين دولار فى اليوم الواحد. وفى نفس الوقت خفض محللون اقتصاديون توقعاتهم فى البنك من تقديرهم للنمو الاقتصادى فى مصر هذا العام من 5.3 % إلى 3.7 %. وتوقع تقرير كريدى أجريكول أنه يكون قطاع السياحة أول القطاعات المتضررة أن استمرار حالة عدم اليقين السياسية وأعمال العنف سيكون له أثر مدمر على عائدات السياحة هذا العام. فخلال الأزمة الجارية غادر نحو مليون سائح البلاد بالفعل فى ذروة الموسم السياحى فى مصر. مشيرا إلى أن نقص عائدات السياحة سيتطلب دعما إضافيا فى موازنة الدولة. وستتراجع عائدات السياحة إلى أقل من 5.5 مليار دولار لتصل إلى مستويات ما قبل عام 2004 وهو العام الذى شهد بدايات تحرير الاقتصاد المصرى عبر إصلاحات اقتصادية بقيادة الحكومة السابقة التى ضمت عددا من رجال الأعمال. وأشار التقرير إلى أن من المستبعد أن تتأثر تحويلات المصريين العاملين فى الخارج إذ أن الازمة لا تشكل مخاطر على النظام المالى فى الخارج وخاصة فى ظل عودة اقتصادات منطقة الخليج إلى النمو. ومن جانبها نقلت صحيفة الفاينانشال تايمز عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية إن الخسائر بلغت نحو 90 مليون دولار فى قطاع الانترنت خلال الأيام الخمسة التى تم فيها قطع خدمات الإنترنت فى مصر وتوقعت أن يكون هناك أثر أكبر على الاقتصاد المصرى على المدى الطويل مشيرة إلى إلى أن الخدمات المعطلة للاتصالات والإنترنت تمثل 3% إلى 4% من إجمالى الناتج المحلى أى ما يمثل خسارة تقارب 18 مليون دولار يومياً. وأضافت أنه سيكون من الصعب فى المستقبل جذب شركات أجنبية وطمأنتها بأن شبكة الاتصالات ستكون أهلاً للثقة. ومن جانبه جيرالد ليونز كبير المحليين الاقتصاديين فى بنك "ستاندرد تشارترد" إن إمكانيات النمو المستقبلية للاقتصاد المصرى "لا ترتبط بعلاقات القاهرة مع بالمنطقة بل باتفاقيات التجارة مع دول أوروبا التى تمثل السوق الأوسع لمصر". ولفت إلى أن الاستفادة من عوامل القوة هذه لا تتم إلا بعد الاعتناء بأساسيات الاقتصاد المحلى عبر إيجاد الوظائف ومكافحة التضخم وارتفاع أسعار الغذاء. أما جيم اونيل رئيس مجلس إدارة جولدمان ساكس فيرى فى صحيفة وول ستريت أن الأزمة المستمرة فى مصر أدت إلى تقليص حجم اقتصادها بشكل كبير وستكون تبعات ذلك بالتأكيد أكثر أهمية على الصعيد العالمى من المتاعب التى تتعرض لها اليونان أو أيرلندا. اما على صعيد التمويل الخارجى يرى اونيل انه لا يثير الكثير من القلق لا سيما وأن وضعها الحالى لاحتياطيات النقد الأجنبى مطمئن جداً وقد يصل إلى قرابة 38 مليار دولار أى أنه أكبر من الاستثمارات الأجنبية فى الأدوات المالية المرتبطة بالفائدة. ويحذر جيم أونيل من حالة الضبابية السائدة حالياً فقد تحمل معها مخاطر أعلى ستتردد أصداؤها فى جميع الأسواق المالية. ومع ذلك فإنه فى سياق وجهة نظره الشخصية القائمة على دراسة هذه القضايا يعتقد أن العواقب الدائمة هى تلك التى يرجح حدوثها فى المتغيرات التى تؤثر فى درجات بيئة النمو فى مصر وفى تلك الدول الأخرى التى يتوقع لها أن تواجه مشكلات مماثلة فى الأيام المقبلة. مصطفى عبد العزيز