المخابيل، مفردها مخبول، والمخبول هو المخلول والمخلول هو البني آدم غير السوي، والملاحظ الآن في المجتمع تعاظم أعداد الغير أسوياء، تقول لي زميلة مهنة: عندما أصعد إلي المترو، أتوقع دائما سيناريو سيئا، أتوقع أن يتحرك الشخص الهادئ الذي يجلس بجواري ويقف مهددا الركاب بمسدسه وسوف نصرخ وربما قفز بعضنا من شباك المترو، ربما كان ما أرويه خيالا ولكنه سيناريو يطوف بالذهن هذه الأيام. وحين قرأت عبارة لكاتب كبير في مقالته الافتتاحية يقول إن الإنسان صار الآن يتلفت حوله، ظننت أنها مبالغة ولكن يبدو أنها حقيقة! لا أعرف ماذا جري للشخصية المصرية، لقد فقدت الكثير من مقوماتها ولا أدري - علميا - أسباب ذلك اعتقد أن علماء الاجتماع لديهم الإجابة غير أن علماء الإنسانيات في مصر لا يعتد بآرائهم إذ يحكم المسئول علي تقاريرهم انها مجرد "نفسنة" في الشارع. ثم تعالوا إلي حوادث الانتحار التي اخذت مساحة من أخبار الحوادث في الصحف، ماذا جري؟ هل نحن قوم من المخابيل؟ كيف يشعل رجل النار في نفسه لأسباب تافهة، علي سبيل المثال فأناا أعتقد أن في مصر "عطالة" وليست "بطالة" أن وزيرة القوي العاملة تشكو من إدبار الشباب عن الوظائف التي تعلن عنها وبالتالي لا بطالة سوداء، وكله الشباب صار يريد وظيفة تفصيل، إنه يريد أن يعمل في البنوك الأجنبية أو في البترول، ويبدو أن الآباء فقدوا سيطرتهم علي الأبناء، فاستسلموا لهم في نهاية الأمر. كيف تسول نفس بني آدم لديه ذرة من الإيمان لقتل النفس التي حرم الله قتلها وذلك بالانتحار؟ زمان، كان المصري البسيط يحتج بنشر خبر أو مطلب في باب القراء ثم أصبح المصري القادر يكتب استغاثة لرئيس الجمهورية في الصحف استغاثة مدفوعة الأجر، ثم صار المصري البسيط يحتج بالانتحار حرقا أو محترقا، لم نكن كذلك من قبل وأعلم أنه لا يبيت أحد بدون عشاء في مصر. وربما اجتهد في تفسير هذا الخبل الطارئ علي الشخصية المصرية وهو الهوة الكبيرة اللافتة بين الطبقات في مصر، فهناك ناس يعيشون وسط ملاعب الجولف وبشر يعيشون وسط أوحال مياه الصرف الصحي، وهناك ممثلة تتقاضي أجرها بالمليون ونساء كادحات يشقين من أجل الملاليم، أظن أن هذا التفاوت زرع الحقد وألوانا أحري من الضيق والتذمر، ولكن كل بلاد الدنيا تشكو ولديها مشاكل حتي بلاد العالم الأول، وظني أن الاحتجاج بحرق النفس سوف يتلاشي إذا أعطي المسئول حتي الصغير إصغائه للمواطن أي "الاستماع" لعذابات الناس، نصف الحل!