أستقل قطار «أسيلا» فائق السرعة التابع لشركة أمتراك مرتين على الأقل أسبوعيا من بيتى فى مدينة نيويورك إلى عملى كمدرس فى بروفيدانس بمدينة رود أيلاند. ويمر الطريق بمنطقة يسكنها كما تقول لنا الإحصاءات شريحة من أكثر مواطنى البلاد تعليما، وثراء، وتطورا، واستنارة. وعلى مدى السنوات الأربع الأخيرة، أجريت تجربة سوسيولوجية، كنت فيها مشاركا ومراقبا فى آن واحد. وهى عبارة عن مسح بدأته ليس لأن لدىَّ نقاطا معينة أحتاج لإثباتها عبر جمع البيانات التى تؤيدها، ولكن لأنى لم أستطع تجنب إدراك حقيقة واضحة تدعو للقلق. ففى كل مرة تقريبا، بعد أن أسارع لأجد مبكرا مقعدا فى عربة القطار الهادئة المزدحمة عادة، يظل المقعد المجاور لى شاغرا بقية الرحلة. وأنا رجل ملوَّن، ضمن عدد قليل من الملونين فى القطار، وغالبا ما أكون الملون الوحيد فى العربة الهادئة، واستنتجت أن اللون يفسر الكثير من تجربتى. فما لم تكن العربة مكتظة تقريبا، سوف يحدد اللون، إن لم يوضح تماما، السبب فى أن تسعة من كل عشرة أشخاص سوف يتهربون من الحصول على مقعد مجانى، إذا كان هذا يعنى الجلوس بجانبى. فإذا منحتهم ومنحت نفسى ميزة قاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم، يمكننى أن أستبعد وجود رائحة نفاذة للبدن، أو عبوس مخيف كريه، أو ارتداء ملابس الهيب هوب، أو وجود تشوه بشع، كأسباب محتملة للاعتراض على شخصى. ويبدو اللون سببا كافيا للسلوك الذى سجلته، بالنظر أيضا لتكلفة تذكرة قطار أسيلا، وكونى لا أبدى أى مؤشرات واضحة على انتماء دينى، وأخيرا، الدلائل الخارجية على عضويتى بالطبقة الوسطى التى أتشارك فيها مع غالبية الركاب. وأنا بالطبع لا أسجل شكوى بشأن الامتياز الذى منح لى بسبب لونى، حيث أستمتع بترف حصولى على مقعد إضافى. فأنا أستمتع بفرصة فرد جسدى، وأتذوق الخصوصية والهدوء، وأعمل أو أحملق فى غابات نيو إنجلاند الخلابة وساحلها. وأشعر بشعور جذاب من التعالى، إذا قارنت القطار بالسفر جوا أو بأى وسيلة أخرى للانتقال، فضلا عن التمشية أو وركوب الدراجة، لعبور الممر الشمالى الغربى شديد الزحام. ولكن، فى عام 2010، ومع وصول رئيس أسود ينحدر من أصول أفريقية إلى البيت الأبيض، ودولة تؤكد بثقة عبورها إلى حقبة ما بعد العنصرية، يبدو غريبا لى أن أركب إلى جوار مقعد خال، تقريبا فى كل مرة أشرع فيها فى رحلة تستغرق ثلاث ساعات فى كل اتجاه، من البيت إلى العمل والعودة. وأعترف بأنى أتطلع إلى اللحظة التى يتوقف فيها الركاب الآخرون فى قلق، وهم يبحثون عن مقعد جيد، أو أى مقعد على الإطلاق فى أكثر الأيام ازدحاما، ويتجولون فى ممشى العربة الهادئة، وإلى اللحظة التى يكونون قد استقروا جميعا فى أماكن أخرى، بمن فيهم أولئك الذين تعاموا عمدا عن المقعد الشاغر بجوارى، أو لم يقتنعوا بتوافره عند مرورهم به. وأتذوق تلك اللحظة بالذات عندما يتحرك القطار، ويبدأ فى السير من محطة بن أو بروفيدنس، يكون باستطاعتى أن أقول لنفسى، بثقة نسبية: إن المكان الشاغر بجوارى متاح لى، متاح بشكل نهائى، أو على الأقل متاح حتى المحطة القادمة. أستطيع أن أسترخى، وأسند حقيبتى المفتوحة أو بقية الأوراق، أو الوجبة الخفيفة أو ذراعى فى المقعد الشاغر. غير أن لحظة التوقع بالغة الإمتاع تشوبها شائبة، لأنى لا أستطيع أن أتقبل مكافأة وجود مقعد زائد دون أن أتذكر لماذا هو شاغر، دون أن أتساءل عما إذا كان خلوُّه لا يعتبر أمرا سيئا تماما، وخطيرا للغاية، وأيضا إذا ترك بدون فحص. تقول الملصقات فى القطار، والمحطة، ومترو الأنفاق: إذا رأيت شيئا، فقل شيئا.