علي الرغم من التحسن الطفيف مؤخرا في الأحوال الاقتصادية العالمية في أعقاب الأزمة المالية العالمية وما واكبها من ركود اقتصادي، إلا أنه مازال هناك الكثير من التخوفات التي تجتاح العالم من عدم استقرار الأسواق المالية علي المستوي العالمي والاقليمي والمحلي، وأيضا من حالة الركود التي مازالت تسود العديد من دول العالم المتقدمة منها والنامية، والذي جعل البعض ينظر إلي الأمر علي أنه انهيار لأفكار ومبادئ العولمة والرأسمالية وبصفة خاصة بعد تطبيق العديد من الدول الكبري لما يسمي بالحمائية، المتمثلة في تشجيع هذه الدول لجمهور المستهلكين بها لشراء سلع ومنتجات بلادهم بدلا من شرائهم للسلع الأجنبية المستوردة من الخارج بل إنه قد ظهرت بعض الافكار والاراء المؤيدة والمطالبة بالانعزالية والتقوقع وخفض قيمة العملة والبعد عن ضغوط الشفافية.. وباعتبار أن الاقتصاد العالمي يمثل شبكة مترابطة متداخلة من العلاقات فإن ضعف حالة الثقة بين المشاركين في عملية التنمية سوف تتسب بلا جدال في احداث فجوة كبري من عدم الثقة، ومن ثم فإن زيادة مستوي التباطؤ الاقتصادي الذي يسود العالم سوف يضاعف من حجم المشكلات التي تواجهها جميع الشعوب والحكومات دون استثناء. ويري الكثيرون أن التطبيقات الاخلاقية الفاسدة للرأسمالية المتوحشة قد أدت إلي انهيار الثقة إلي حد كبير في النظام المالي والاقتصادي العالمي بشكل عام والأمريكي والأوروبي بشكل خاص، وساعد علي تعميق هذا الشعور انعدام الشفافية وتفشي حالات الجشع، مما ولد انطباعا لدي غالبية الافراد بعدم الثقة في المسئولين الحكوميين وفي قيادات القطاع الخاص، وكذا عدم الثقة في تحمل من تسببوا في الأزمة لنصيبهم من المسئولية والمحاسبة والعقاب.. وحين تتولد مثل هذه الحالة من عدم الثقة من قبل الجماهير تجاه النظم المالية والاقتصادية عالميا ومحليا، وفي العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية، فإنه لن تكون هناك فرص حقيقية للتنسيق والتفاهم والعمل المشترك بين الجميع.. ولاستعادة تلك الثقة المفتقدة فإن الأمر يحتاج إلي اصلاح ذلك التوازن الأخلاقي، الكفيل بالقضاء علي تلك الفوضي، وضرورة مساءلة هؤلاء المتسببين في احداث الأزمة المالية سواء كانوا مسئولين حكوميين أو قيادات البنوك و الصناعة بالقطاع الخاص، في ظل الاقتناع الجماهيري الكامل بضعف الثقة بامكانيتهم وقدرتهم علي إيجاد الحلول الناجعة للخروج من براثن تلك الأزمة. ومن أجل أن تعمل منظومة الأعمال من حكوميين وقطاع خاص بهذا المفهوم وهذا الفكر الجديد فإنه يجب اعطاء الأولوية لإيجاد وتأكيد الشعور المشترك بالثقة واحترام الآخرين، وإقامة وتثبيت الجسور الاقتصادية والتجارية والثقافية والانسانية بين دول العالم شماله وجنوبه غربه وشرقه.. كما يجب علي شركاء الأعمال والمستثمرين والعملاء أن يحيوا في ظل هذا الجو من الثقة، وأن يتجاوزوا جميع المشكلات والعوائق التي تحول دون تحقيق ذلك وأن يدركوا أن اكتساب الثقة يعني اعتراف المجتمع والعالم بأفضل الافكار والمواهب والقدرات الفنية والإنتاجية والإدارية، وذلك بغض النظر عن اسم الشركة أو المؤسسة أو جنسيتها أو حجمها أو موقع مركزها الرئيسي أو أماكن عملها، مما يفرض عليها القيام بكل ما هو صائب وابداعي وخلاق، ويدفع بالتالي ملايين الافراد بالعديد من دول العالم للاقتناع بأهدافها وفلسفتها ومنتجاتها وإدارتها، بما يوجد حالة من الثقة بالشركات والمؤسسات، ليس فقط علي المستوي المحلي بل يتعدي ذلك إلي المستوي العالمي. ان عملية بناء واستعادة الثقة سواء علي مستوي الشركة أو المؤسسة أو الدولة أو النظام الاقتصادي العالمي، إنما يتطلب قيادات واعية وقوية وشجاعة وأمنية، تعلن عن افكارها ورؤاها وخططها وبرامجها واستراتيجياتها للاصلاح وإعادة البناء بشفافية مطلقة وأن تتسم خطواتها بالصدق والمصداقية حتي في الأحوال التي لا تكون فيها الأخبار والأوضاع الاقتصادية جيدة ويعني ذلك ضرورة العمل بثقة وكفاءة كما يعني ضرورة اتخاذها مجموعة من القرارات الصعبة حين لا يكون هناك مفر من اتخاذها، ويعني أيضا احترام أكثر ومعاملة أفضل للمستهلكين والعملاء من شركات ومؤسسات وهيئات وأفراد المجتمع الذي يجب أن يتعاملوا معه بشكل عادل وجيد. ولابد من الإدراك بأن إعادة بناء الثقة كما هو مرتبط بقضايا المال والأعمال، فإنه مرتبط أيضا بدور الحكومات حول العالم في التصدي للمطالبات الانعزالية والحمائية، باعتبار أن الاقتصاد إنما يقوم في الأساس علي فكرة التبادل خاصة أن بعضا من الدول النامية ذات الاقتصادات الناشئة سريعة النمو قد أصبحت طرفا رئيسيا في حل الازمة المالية