أكثر من خمسة وأربعين مليار دولار يصرفها أطفال العالم علي لعب الكمبيوتر، وليس المقصود بالأطفال هم من تحت عمر المراهقة، ولكن طفولة هذا الزمن صارت لا تعترف بالعمر، فتجد رجلا في الستين وهو يدمن الجلوس امام "البلاي ستيشن" أو يمسك في يده تليفونه المحمول ويلعب تلك الالعاب الالكترونية. ومنذ ثلاثين عاما ظهرت إلي الوجود تلك الالعاب التي كانت مخصصة للأطفال وتسمي "جيم بوي"، ولا أزال أذكر كيف جعلت تلك اللعبة أطفالي في حالة "توهان"، حيث تدور العيون كحجري طاحون دون قدرة علي التركيز في شيء، وغالبا ما يكون الواحد منهم ممتلئا بكهرباء داخلية تمنع أذنيه عن تلقي الكلمات وتدفع لسانه إلي ردود غير مقنعة. وأخذت أناقش مثل تلك الامور مع أصدقائي من الأطباء النفسيين الذين شرحوا لي كيف ان تلك الالعاب تنتج كهرباء زائدة في مخ الاطفال وتجعله في حالة هياج. ونصحني أحدهم بأن أقدم للأبناء القهوة كي يشربوها فهي تحت سن البلوغ تهدئ من كهرباء المخ، عكس ما تفعله من الكبار الذين هم فوق سن البلوغ. وسافرت بعد ذلك إلي اليابان لأجد نفسي في حالة اندهاش من انتشار ألعاب الكمبيوتر في الشارع، تلك التي كان يوجد مثلها في شوارع القاهرة الخلفية وفي دكاكين مفتوحة تبيع للأطفال وقت الجلوس علي كرسي لممارسة ألعاب إلكترونية وكانت تحمل اسم "فيدو جيم". وعندما انتشر الكمبيوتر والإنترنت صارت الألعاب الالكترونية كالماء والهواء، ورأينا طوابير تبيت الليالي امام محال بيع "البلاي ستيشن" وشاهدنا كيف تتفنن شركات المحمول في تحميل ألعاب جديدة علي التليفون المحمول، وصار من الطبيعي ان تجد العديد من البشر يجلسون بالساعات وهم يعبثون بتلك الالعاب، وكأنهم يهربون بها من أنفسهم، وكأن العالم الافتراضي صار أحلي وأجمل ومن السهل ان تنتصر فيه علي كل من يهزمك. وصار من التقليدي ان تذهب إلي الطبيب النفسي لتشكو له من عجزك عن التعامل مع الواقع، وينصحك بأن تترك ألعاب التليفون المحمول أو ألعاب الكمبيوتر أو البلاي ستيشن. ومن عجب العجاب أن البشرية تدفع الملايين لأكل سندويشات ضارة، وتدفع المليارات في التبغ، وتزيد من أرباح من يبيعون المياه الغازية وتصرف شركاتها المليارات كمقدمة سياسية للعلاقات بين الدول. ولكن أطباء النفس يعتبرون ألعاب الكمبيوتر والانترنت والتليفون المحمول تحمل خطرا داهما علي المخ البشري، ولا أتوقع ان ينتبه أحد إلي خطورتها لأنها ممتعة للبعض، وكأن من يدمنونها يمارسون الانتحار الاجتماعي والدخول إلي سجن انفرادي في مجتمع من الوهم. منير عامر