قضت المحكمة الفرنسية بباريس الثلاثاء الماضي بحبس السمسار الشهير جيروم كيرفيل، ولم تقتصر علي ذلك فقط بل قضت بتغريمه نحو 4،9 مليار يورو، تعويضا عن الأضرار التي سببها لسهم البنك الأهلي سوسيتيه جنرال بفرنسا منذ عامين، ويعد هذا الحكم إنذار شديد اللهجة لجميع السماسرة والمتداولين بالأسواق العالمية، فضلا عن أنه فضيحة كبري لمنظومة التداول العالمية، ولكن الغرامة التي فرضتها الحكومة الفرنسية تدخل في سجلات الأرقام القياسية، وفقا لما أشارت إليه صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية. وقامت المحكمة بمنح البنك التعويضات التي طلبها وهي الخسائر التي تكبدها في تفكيك وإبطال التعاملات المكشوفة التي دخل بها السمسار بقيمة تبلغ نحو 50 مليار يورو في يناير ،2008 ولكنه يعتبر نصراً لا يستهان به لثاني أكبر بنك فرنسي، الأمر الذي يجبر المساهمين بالتراجع عن احتمال قيام المساهمين برفع أي دعاوي ضد إدارة سوستيه جنرال، وقالت فاينانشيال تايمز إن فرض هذه العقوبة القاسية علي السمسار غير عادلة تماماً علي شخص يبلغ راتبه الشهري 2300 يورو، وهذا غير متناسب مع إمكاناته، الأمر الذي يجعل الحكم غير قابل للنفاذ، كما أن هذا الحكم يطرح علامات استفهام من تسبب هذا الشخص في تلك الخسائر بمفرده. وكان كيرفيل قد اتخذ مواقع مضاربة ضخمة في الأسواق دون علم إدارته، كما تحايل علي المراقبة بعمليات وهمية وأكاذيب، فقبل عامين ونصف العام، وتحديداً في شهر يناير ،2008 اكتشف بنك سوسيتيه جنرال أن السمسار اتخذ مواقع بما يقارب ال50 مليار يورو قام المصرف بتصفيتها بشكل طاريء مسجلا خسارة قدرها 6،3 مليار يورو، مع 1،4 مليار يورو من المكاسب حققها العميل في نهاية ،2007 وبعد أسبوع علي ذلك أعلن البنك أن تلك كانت عملية احتيال غير مسبوقة، ليثير ذلك صدمة في الأسواق المالية التي كانت تعاني من هشاشة بسبب الأزمة المالية العالمية بعد ذلك بقليل، ورغم ملاحقته بتهمة التزوير وإساءة استخدام الثقة فقد تم الإفراج عن جيروم بعد 38 يوماً فقط قضاها في السجن، ومنذ ذلك اليوم وحتي سبتمبر الماضي وهو حر طليق قبل أن تتم محاكمته الأسبوع الماضي. ومن جانبه يقول الدكتور أحمد جلال خبير أسواق المال إن الجرائم التي تقع علي الأوراق المالية تتعلق بسعرها لتباع بسعر أقل أو أكبر من السعر الفعلي، وهذا يدفع المتلاعبين للابتكار في تلك الوسائل، وفي أغلب الأوقات ما يتم البيع في الوقت الذي لا يملك فيه البائع الورقة محل التلاعب، ومن ثم يطلق عليها البيع علي المكشوف، ومن أبرز صور التلاعب التي يستخدمها المتلاعبين لإيجاد تعاملات بصورة نشطة علي سهم دون وجود أي تعاملات في الحقيقة حتي يتم خداع المستثمرين بحجم تداول غير حقيقي، وكذا احداث تغيرات وهمية في سعر السهم لتحقيق فرص للربح. ويضيف أنه قد يستغل السمسار عملاءه في ممارسات غير شرعية، فقد يتم ابرام صفقات غير حقيقية بهدف الاحتيال والنصب من وراء العملاء وهو يحصل علي عمولة السمسرة الناتجة من جراء البيع أو الشراء التي يبرمها سواء كانت الصفقة رابحة أو خاسرة، وقد يحتال السمسار علي العميل، ويعطيه معلومات مضللة ينتج عنها عقد صفقات البيع والشراء. ويشير أحمد زينهم مدير شركة بي ام تي للاستشارات المالية إلي أنه علي الرغم من شدة وقوة القوانين، وكذا الرقابة علي التداول أكثر مما كانت عليه من قبل، فإن عمليات التلاعب مازالت تنتشر في الوقت الحديث، فمنذ عامين تقريبا تم القبض علي برنارد ماروف رئيس بورصة ناسداك الأسبق بتهمة الاحتيال علي العملاء والذي تم الحكم بسجنه مدي الحياة، تغريم وسجن السمسار الفرنسي المتلاعب أسهم سوسيتيه نرال، بالإضافة إلي الحكم الصادر ضد أحد المتداولين في الصين والذي تم سجنه في شهر مايو الماضي لمدة 14 عاما، ومن ثم فقضية التلاعب ليست حديثة، ناهيك عن القضايا التي حدثت قديما. ويضيف أنه ينبغي علي السماسرة أو المتداولين الالتزام بالقواعد والقوانين التي تصدرها هيئآت أسواق المال في بلادهم، ولا يستغلوا ثقة عملاءهم في علميات النصب، لأن ذلك يؤدي إلي عدم استقرار الأسواق، حيث إن الشغل الشاغل لجميع المسئولين علي مستوي العالم هو كيفية عودة الثقة إلي أسواق المال، خاصة بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة.