ربما يفهم من العنوان أن القصد هو جذب انتباه المشاهدين أو ربما يحمل المقال سخرية لكن هذا العنوان هو المقصد الحقيقي وما دفعني إلي تناول هذا الموضوع، وهو الحراك المجتمعي الذي تشهده مصر معنونة ب "لا للتوريث" ومطالبين بالتغيير وفي الحقيقة أنه إذا كان التغيير في حد ذاته هدفا فما هي الفائدة أي ما الذي سيعود علي المواطن، وبصيغة أخري المواطن يتطلع إلي تحسين دخله بما يحقق له عيشة أفضل وبالتالي كان يجب أن تسيق برامج التحديث الاقتصادي برامج التغيير السياسي. ونظرا للمساحات الإعلامية الكبيرة سواء في الصحف أو المحطات التليفزيونية والتي تنصب معظمها علي التغيير نحو الديمقراطية مما جعلني أحس بالقلق لأن التحويل للديمقراطية يمكن أن يفشل إذا لم تتوافر الظروف المواتية ففي ظل غياب أو ضعف المؤسسات والثقافة السياسية يمكن أن يؤدي هذا التحول إلي كارثة عن طريق إثارة المشاعر الدينية بواسطة الجهلة والانتهازيين وكانت كرواتيا وصربيا دليلا حيا علي ذلك. أيضا ما هو مطروح علي الساحة هو النموذج الغربي للديمقراطية والذي يروج له أحد المصريين الذين ترعرعوا في ظل هذا النموذج وأعتقد أن هذه من الأخطاء القاتلة والتي تصورها الغرب خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وكان:- الخطأ الأول: يتمثل في أن انتصار الغرب علي الاتحاد السوفيتي بما لديه من قيم والحقيقة أن انتصار الغرب كان بسبب قوة نظامه الاقتصادي اقتصاد السوق الحر وليس بسبب نظامه السياسي وقد انخدع جورباتشوف بهذه المقولة وأعطي للإصلاح السياسي الأولوية علي إعادة الهيكلة الاقتصادية فدفع الشعب الروسي ثمن هذه السياسة. والخطأ الثاني: هو الاعتقاد الذي ساد بعد الحرب الباردة بأنه يمكن تحويل أي مجتمع إلي الديمقراطية في أي مرحلة من مراحل التنمية الاجتماعية والاقتصادية وربما ساعد علي انتشار هذه المقولة تحول أوروبا الشرقية إلي النموذج الديمقراطي قبل التنمية الاقتصادية لكن لهذه الدول صفة خاصة من ميزات تاريخية وثقافة مشتركة مع أوروبا الغربية. والخطأ الثالث: فهو أن الغرب ظن أن النموذج الديمقراطي يمكن تطبيقه عالميا في أي مجتمع وأن المجتمعات المسيحية والإسلامية والهندوسية علي استعداد واحد للديمقراطية. وإذا نظرنا إلي التجربة الصينية والتي بدأت بزيارة رئيس الصين دينج اكسياوبنج في نوفمبر 1978 إلي بانكوك وكوالالمبور وسنغافورة ومهدت للتحويل الكبير في الصين عام 1979 وهو زعيم شيوعي عمره 74 عاما لا يعلم في حياته غير الشيوعية وبدأ باستخدام الإعلام ليقنع ألف مليون مواطن بالمنهج الجديد وطالبا منهم عدم الخوض في الجدل حول الاشتراكية والرأسمالية مطالبا الجميع بتوجيه الجهد نحو الإصلاح وكانت لديه رؤية واضحة أن المجتمعات الغربية نجحت وحققت تقدما لأنها كانت أكثر انفتاحا علي الأفكار الجديدة ولم تكن أسيرة لأي أيديولوجية جامدة. وكان لفهم دينج اكسياوبنج المصادر الحقيقية للقوة والسلطة الغربية ولم ينخدع بمزاعمهم حول الديمقراطية وركز جهوده علي إدخال اقتصاد السوق الحر إلي الصين مع المحافظة علي الاستقرار السياسي وكان ذلك أهم الأسباب وراء عدم السماح للطلبة بالتظاهر في ميدان تيانانمين لاقتفاء سياسة جورباتشوف بالبدء بالانفتاح السياسي قبل الاقتصادي ولو نجح الطلبة في حقيق مطالبهم لتدهور مستوي معيشة الشعب الصيني مثل ما حدث للشعب الروسي. وللحديث بقية في النموذج الصيني واستفادته من النموذج الغربي لتحقيق التنمية. م. محمود شعبان