سوف تظل آلية العمل في البنوك قائمة أساسا علي دعامتين رئيسيتين متقابلتين، وإن كانت تجذبهما دائما حتمية الاعتماد المتبادل، ويقصد بهما الموارد والاستخدامات، أو بمعني آخر قبول الودائع ثم إعادة توظيفها، وتعتبر هذه الآلية بمثابة شريان الحياة الذي يحمل الاحتياجات التمويلية ويضخها في مناحي الأنشطة الاقتصادية، فتدور عجلة التنمية. ورغم أهمية توفير الموارد، فإن الأخطر منها يكمن في قرار توظيف هذه الأموال، أو ما يطلق عليه القرار الائتمائي فإذا علمنا أن الائتمان يعني لغة الثقة واصطلاحا الدين، وأن هذا المفهوم قد استقر لدي مانح الائتمان حيث ينظر إليه علي أنه: "الثقة التي يوليها البنك لعميل من عملائه بأن يقدم له أو يضع تحت تصرفه أو يكفله في سداد مبلغ معين من المال، وذلك خلال فترة زمنية معينة يتفق عليها بين كل من البنك والعميل، يقوم الأخير في نهايتها بسداد ما عليه من التزامات مقابل حصول البنك المقرض علي عائد يتمثل في فوائد وعمولات، فإنه من ذلك كله يتضح أن هناك مخاطر معينة مرتبطة بمنح الائتمان المصرفي، يمكن الإشارة إليها إجمالا في النواحي التالية: 1- وجود ضغوط مكثفة من جانب إدارة البنك تطالب بسرعة إعادة توظيف أموال الودائع الداخلة للبنك، حتي يمكن أولا تعويض تكلفة هذه الأموال التي تحمل البنك بقيمتها المتفق عليها مسبقا، ثم ثانيا تحقيق فائض يمكنه تغطية المصروفات الإدارية للبنك، وأخيرا الحصول علي صافي ربح يعلي من قيمة أسهم هذا البنك والقائمين علي إدارته، حتي أنه في مجال التحليل المالي فإنه ينظر دائما إلي صافي الربح التشغيلي للبنك -وهو معيار مهم في مجال تقييم البنوك- علي أنه العائد المحصل مخصوما منه تكلفة هذا العائد، وبمقدار هذا الصافي يمكن الحكم علي كفاءة أداء البنك. ولعل في هذه الضغوط الشديدة والمستمرة، وفي ظل منافسة عنيدة، ما قد يؤثر علي القرار الائتماني المأمول، أو ما قد يجعله يتجاوز لبعض الأصول المرعية في الجوانب الفنية للائتمان، وما قد يسفر عن ذلك من بعض العواقب غير المأمولة. 2- إن صناعة القرار الائتماني ومهما توافر لها من علوم منهجية في التحليل المالي، وبرامج تقنية عالمية وضعت بها خلاصة خبرات عريقة يمكنها تحديد درجة تصنيف مخاطر العميل بشكل كبير جدا، فمازال يعتمد في جانب كبير منه علي النظرة التقديرية، وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها، فإذا كانت المخاطرة في هذا الأمر يتم دراستها بشكل مستفيض وتكون محسوبة في معظم الأحيان، فإنه لا يمكن حسم النتائج في أحيان أخري بصفة نهائية، نظرا لطبيعة تكوين هذا القرار، حيث إنه لا يوجد في مثل هذه الحالة اليقين الذي يصاحب التقديرات المستقبلية والتنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي، وكذا المتغيرات السياسية. 3 واتساقا مع هذه السلطة التقديرية المتفقة مع طبيعة منح التسهيلات الائتمانية، فإنها تتصف بأنها سلطات أوسع نسبيا مما هو متاح للموظف العام في القطاع الحكومي أو القطاع العام، وعلي ذلك فإنه يسمح له باتخاذ قرارات سريعة تتناسب وطبيعة الحدث من أجل تلافي وقوع خسائر معينة، وما قد يستدعي ذلك من تجاوز لبعض الإجراءات في حالات الضرورة التي يراها متخذ القرار، وذلك من أجل انقاذ موقف صعب يواجهه العميل كما تتيح تلك السلطة التقديرية ذات الطبيعة الخاصة بالمنح الائتماني كثيرا من المرونة في تحديد أنواع الضمانات التي يمكن أن يقدمها العميل ضمانا لما يحصل عليه من قروض بل وفي تقدير مدي كفايتها، بل إنه أيضا قد يري صاحب القرار الائتماني منح ما يراه من تسهيلات بدون ضمانات من تلك المتعارف عليها في مجال القانون المدني مثل الكفالة أو التأمينات العينية من رهونات مختلفة، اكتفاء بالضمانات المعروفة في المجال المصرفي مثل الأوراق التجارية من كمبيالات وسندات لأمر أو غيرها وأحيانا أخري كثيرة يتم منح هذه التسهيلات بدون ضمانات بالمرة ويكتفي بالاعتماد علي المركز المالي للعميل وسمعته في السوق، وتوضيحا لهذا الأمر يمكن القول في النهاية أن هذه السلطة تصبح أقرب للسلطة التقديرية التي تمنح للقاضي عند الفصل فيما يعرض عليه من قضايا، أو فيما اصطلح عليه بالحكم بضمير القاضي.