أثق في أن الصحافة المصرية والعربية تحتاج إلي اعتبار يوم الخامس من أغسطس هو يوم من أهم أيام أعيادها، فهذا التاريخ نقرأه كل يوم علي رأس صفحة جريدة الأهرام كيوم ميلاد هذه الجريدة العملاقة، وهي تستحق منا أن نرحب بها ونقول لقادة المبني العملاق "كل سنة وجريدة الأهرام بألف خير وتقدم". أكتب ذلك وأنا واحد ممن تستضيفهم الأهرام للكتابة في صفحة الكتاب، وأرقب كل يوم حركة السفينة العملاقة "الأهرام" وأراها قاطرة الصحافة في عالمنا العربي. وقد يقول أحدهم "وهل تحتاج الأهرام إلي من يحتفل به؟" وأقول: نعم كلنا في حاجة إلي الاحتفال بالأهرام، لأنها جريدة الرصانة والقدرة علي التعبير عن مجتمعنا العربي من محيطه إلي خليجه. أتذكر أن الأهرام كانت رومانة الميزان التي لا تسعي إلي ضجيج ما فيما قبل ثورة يوليو 1952. وقد حاولت ذات مرة إجراء حوار من الرائع الذي علمني محبة باريس وهو كاتب العمود الأشهر "ما قل ودل" أحمد الصاوي محمد، وكان هو رئيس تحرير الأهرام فيما قبل الثورة ولسنوات عديدة من بعد ذلك، وكانت محاولتي لإجراء هذا الحوار في عام 1970. ورفض الرجل، ولكني لم أنس شكره علي ما وهبني إياه من محبة عاصمة النور باريس، فباريس واحدة من كبريات المدن التي ألهمت أحمد الصاوي محمد العديد من ابداعاته. وأتذكر التحول العملاق الذي قام الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل حين قام بتحديث الأهرام وجعله منارة الصحف في الشرق الأوسط، وخطا به إلي الصداقة مع مراكز البحث في أنحاء الكون. واستضاف علي صفحاته نجوما هم جوهر ثقافة المصريين والعرب، بداية من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود، ولويس عوض ولطفي الخولي وعشرات غيرهم، وكان منبرا لكل الاتجاهات التي يضمها الفكر العربي. وعندما اختلف الأستاذ هيكل مع الراحل أنور السادات اختار السادات أحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس وعلي أمين لإدارة الأهرام. وبقيت الأهرام عالية. وجاء من بعدهم إبراهيم نافع الذي خاض تجربة تعدد المطبوعات وتشغيل مئات الصحفيين، واختلف معه البعض واتفق البعض، ولكن يبقي للرجل أن حافظ علي مكانة الأهرام. ويتولي الأهرام المؤسسة حاليا واحد من المفكرين المعاصرين هو د. عبدالمنعم سعيد، وهو شخص يمكنك أن تتفق مع أفكاره أو تختلف معها، ولكنه يتمتع بسعة أفق تتحمل كل الآراء دون ضغينة أو توتر. ويتولي قيادة الأهرام الجريدة شاب يملك من الثقة والتواضع ما يجعله قادرا علي التطوير، وأتحدي قارئا لا يتوقف عند الصفحة الثانية كل يوم بما تضمه من بانوراما إنسانية، فضلا عن صفحة التقارير اليومية، وفوق ذلك هناك صحوة في إعداد ملاحق متميزة. أحتفل بالأهرام، لأنها القاطرة العملاقة التي تقود العمل الصحفي في مصر المحروسة، وأكتب ذلك وأنا اقرأ كل يوم أغلب الصحف القومية والخاصة واقرأ أيضا جريدة الحياة والشرق الأوسط. أما "العالم اليوم" التي أتشرف بالكتابة بها فهي قد أرست لنفسها مستوي من الأداء في الميدان الاقتصادي مما يجعلها في مقدمة الصحف الاقتصادية في عالمنا العربي. ومن حسن فهم الاقتصاد أن نحفظ ونتذكر قيمة الأصول العملاقة في وجداننا المصري والعربي، والأهرام قيمة كبيرة من تلك الأصول. كل سنة وصحافتنا طيبة ومنوعة وقادرة علي كشف المستقبل أمامنا جميعا.