الصين تنجح في تبريد اقتصادها وتجهض فقاعة العقارات دون زيادة جديدة لأسعار الفائدة هناك حكمة صينية تنهي عن إفساد الشيء بالمبالغة فيه وتقول كلماتها باختصار "لا ترسم للثعبان أرجلا" وهي مرادف للقول العربي المأثور "إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلي ضده" فالمبالغة أو التهويل عموما منهج مرذول في معالجة الامور. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن المسئولين في بكين قضوا الشهور الاخيرة في محاولات مستمرة لإبطاء سرعة نمو الاقتصاد الصيني الذي ينمو بمعدلات مبالغ فيها مما أدي إلي إصابته ببوادر أعراض السخونة الزائدة. فمعدل النمو الاقتصادي في الصين وصل الي 14% عام 2007 ثم هبط الي 6% في الربع الأول من عام 2009 ولكنه قفز الي 12% في الربع الاخير من العام نفسه وبعد جهود متزنة من المسئولين في الصين عاد معدل النمو الاقتصادي الي الانخفاض ليصبح نحو 3.10% في الربع الثاني من العام الحالي وقد ادي هذا الي انخفاض مستوي التضخم ليصبح قريبا من المستوي المستهدف رسميا وهو 3% سنويا. ولكن هناك من يتخوف من أن تؤدي محاولات الصين للسيطرة علي نموها الاقتصادي الي انخفاض الطلب الصيني علي الموارد الطبيعية وبالتالي خفض أسعارها بما يعود بالضرر علي الدول المنتجة لتلك الموارد الطبيعية: وهناك بالفعل من المؤشرات ما يدل علي انخفاض الطلب الصيني علي خام الحديد والفحم بنسبة 9% و 8% علي التوالي. ويؤيد ذلك أن مؤشر "بالتيك دراي اندكس" الذي يقيس اسعار الشحن البحري علي السفن العملاقة التي تنقل الفحم وخام الحديد والحبوب قد أظهر انخفاضا بنسبة 60% في أسعار الشحن علي هذه النوعية من السفن خلال فترة وجيزة لاتتجاوز ال34 يوما حتي 14 يوليو الحالي وهو أكبر انخفاض من نوعه خلال السنوات التسعة الأخيرة. وقد لاحظ ميليسا كيدفير شركة الابحاث لومبارد ستريت ان سعر استئجار السفن العملاقة سالفة الذكر بالذات هبط من 48 ألف دولار ليصبح 18 ألفا فقط في اليوم. واوضح أن جهود الحكومة الصينية لتبريد قطاع العقارات الصيني قد خفض الطلب علي الحديد بمختلف أنواعه حيث هبط سعر حديد التسليح علي سبيل المثال بنسبة 17% منذ منتصف إبريل الماضي حتي الآن وتراجعت أيضا اسعار الصلب المستخدم في صناعة السيارات والمعدات المحلية الاخري. وفي نفس الوقت فإن اسعار خام الحديد المستورد واصلت ارتفاعها في النصف الاول العام الحالي بنسبة 50% وهذا جعل شركات الحديد والصلب تلجأ الي الكف عن الاستيراد واستخدام ما لديها من مخزونات خام الحديد علي أمل أن تعود اسعار الخام المستورد إلي الانخفاض خلال النصف الثاني من هذا العام. ومع ذلك فإن هناك من يري أن الانخفاض الشديد في اسعار سفن الصيد العملاقة التي تنقل المواد الخام والحبوب يرجع في جزء منه إلي زيادة المعروض من هذه السفن في سوق الشحن البحري وأن 16 سفينة من هذا النوع كانت تدخل الخدمة شهريا في النصف الأول من العام الحالي زادت حاليا إلي 23 سفينة شهريا ولكن يبقي أن انخفاض الطلب الصيني علي خام الحديد والفحم هو السبب الرئيسي وراء الجزء الأكبر مما شهده مؤشر بالتيك دراي من انخفاض بالغ. وتقول أرقام مكتب الإحصاء الوطني الصيني التي نعتمد عليها في إعداد هذا التقرير إن المسئولين في الصين انشغلوا لفترة بتبريد الاقتصاد الصيني عن طريق محاولة السيطرة علي أسعار الخضر والفاكهة التي كانت قد تعرضت للانفلات ولكنهم تنبهوا أيضا إلي أن ترك فقاعة قطاع العقارات دون علاج قد يؤدي إلي إرباك موازنات القطاع العائلي والبنوك وحكومات المقاطعات علي حد سواء ولذلك اتجهوا إلي التركيز علي خفض أسعار المساكن وتذكر الأرقام أن متوسط أسعار المساكن في أكبر 70 مدينة صينية هبط بنسبة 1.0% في يونيو عما كان عليه في مايو وهو أول انخفاض يحدث منذ بداية العام الحالي 2010 وقد نتج هذا الانخفاض عن جهود الحكومة في محاربة المضاربين وتشديد القيود علي الرهون العقارية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن بدء الانخفاض في أسعار المساكن سيدفع شركات البناء والمقاولات إلي الإبطاء من نشاطها وتحاول الحكومة تعزيز هذا الاتجاه عن طريق توفير المزيد من المساكن الرخيصة التي تبنيها حكومات المقاطعات الصينية وحددت عدد المساكن المستهدف بناؤها حكوميا هذا العام بنحو 8.5 مليون مسكن جديد رخيص.. ولكن من المشكوك فيه أن يتم إنجاز العدد المطلوب حيث إن الحكومات المحلية قد تلجأ إلي شراء المساكن غير المرغوب فيها من شركات المقاولات بدلا من بناء مساكن جديدة كما قد تلجأ إلي وضع الأساسات