لعل فاروق حسني من أقدم وزراء الثقافة في العالم، فقد ظل شاغلاً لهذا الموقع أكثر من ربع قرن. وكان فاروق حسني يتمني أن يختم هذا المشوار باليونسكو مديراً لها، لولا أن "التربيطات" و"الصفقات" أبعدت حسني عن سكة اليونسكو، وتقبل الهزيمة بهدوء، لأنه أدرك أن شخصه ليس المقصود بقدر ما كانت سيناريوهات السياسة لا ترغب في إسناد هذا الموقع الثقافي المرموق لمصر. صحيح أن فاروق حسني فنان تشكيلي متميز ولكن في عهده اهتم بكل وجوه الثقافة وأعطاها من حماسه ويقظته الكثير وبقيت الثقافة المصرية حاضرة وبقيت مصر الكلمة والكتاب والفيلم والمسرحية والآثار الموغلة في القدم حتي الصرح الثقافي المصري الكبير في العاصمة الإيطالية وهو الأكاديمية المصرية للفنون التي عاشت 80 عاما من الإبداع. وفاروق حسني من أكثر وزراء مصر تعرضا لهجوم الصحافة ولكنه كان يصد الهجوم بإنجازات ثقافية لأنه لم يكن تقليديا، بل إن أهم ما يملكه فاروق حسني هو "الابتكار" و"التجلي". قال فاروق حسني في مؤتمر ضم مثقفي مصر إن "مهمته انتهت" وأن الجو العام مهيأ لوزير ثقافة جديد.. وقد تباري الكثيرون من المثقفين في طرح أسماء بعينها.. بعضها يملك شهرة إعلامية والبعض محل احترام المثقفين عموما، وبعض هذه الأسماء أكاديميون في الجامعات وكليات الفنون وأكاديمياتها.. بالطبع هناك من رشح أصدقاءه لهذا المنصب وهناك من اكتفي بالتلميح لأسماء أخري. والبعض اقترح اسم وزير الإعلام أنس الفقي لشغل هذا الموقع باعتباره كان موظفا وقيادة كبيرة في وزارة الثقافة بالأمس القريب. والقارئ اللبيب يدرك أن اختيار وزير جديد لثقافة مصر هو ترشيح القيادة السياسية بالاتفاق مع رئيس الوزراء.. من المهم أن يكون الوزير الجديد متمرسا في العمل العام حتي لا يأتي مثقف عظيم وأستاذ بجامعة و"يجرب" فينا! فقد يحمل وزير حالي، حقيبة وزارية أخري! أقول "قد"! وهي اجتهادات وليست معلومات. من المهم أن يكون الوزير الجديد وجها مصريا مقبولاً عالميا وعربيا، فقد كان حسني يتمتع بهذه الطلة الثقافية.. من المهم أن يكون وزير الثقافة الجديد مدركا للأبعاد السياسية للمنطقة بعدما أصبحت الثقافة سياسة وأصبح العالم قرية صغيرة.. من المهم أن يكون وزير الثقافة محافظا علي الهوية الثقافية المصرية ومدركا لسطوة العولمة دون أن يدخل في خصام معها.. من المهم أن يكون وزير الثقافة شخصية مقبولة للمثقفين علي اختلاف مجالات الثقافة. يوما قالت لي النجمة اليونانية ميلينا يوكوري وزيرة الثقافة اليونانية "وجدت نفسي أمارس مهنتي الصعبة بين أصدقاء من الكتاب والنجوم والمخرجين فصارت المهمة سهلة". يبقي أن أقول، قد تأتي القيادة السياسية بشخصية خارج دائرة الاحتمالات، وكما يقول المثل الإنجليزي "لننتظر.. ونري"!