ظهرت في الفترة الماضية تصريحات لبعض المسئولين فيها نقد أو تراجع عن برنامج الخصخصة، ولعل فكرة الخصخصة ظهرت بدعوي معالجة بعض عيوب الادارة في بعض شركات القطاع العام من ناحية وهدف إرجاع دور جوهري للقطاع الخاص وحلم عودة أيام طلعت حرب ودوره في نشأة صناعة وطنية من ناحية أخري. لكن برنامج الخصخصة كان معيبا منذ بدايته فأول شركة تم خصخصتها كانت شركة المراجل البخارية وهي شركة دورها حيوي في أي برنامج تنمية، فهذه الشركة كانت تنتج المراجل اللازمة الاساسية في محطات توليد الكهرباء وهي تنتج المراجل اللازمة لأي مصنع، بل المراجل اللازمة لأي مستشفي وكانت تنتج مراجل ذات قدرات عالية "مئات أطنان البخار في الساعة"، لقد تم بيع هذه الشركة لمستثمر رئيسي "شركة غلايات عالمية" وقامت هذه الشركة بتفكيك معدات شركة الغلايات وبيعها خردة بإعلان في جريدة الاهرام، فمصر يجب ان يكون بها مصنع ينتج الغلايات البخارية. وتعبير مستثمر رئيسي تم الترويج له بشكل غريب، بعد ذلك تم بيع شركات الاسمنت لشركات الاسمنت العالمية "كمستثمر رئيسي"، وتكون احتكار أسمنت مسيطر علي السوق المصري والغريب ان هذه الشركات تحصل علي خامات الاسمنت من الطين والحجر الجيري والوقود بأسعار شديدة التدني ويتم تحويل أرباحها الخرافية للخارج. وبرنامج الخصخصة يتم فيه تسعير الشركات المبيعة بأسعار شديدة التدني فسعر الارض يتحدد بسعر الارض في أقرب منطقة صناعية حديثا، لذلك فإن مشتري الشركة قطاع عام مبيعة من مصلحته ان يصفي المصنع ويبيع الارض كأرض عقارات بأسعار المنطقة التي كان فيها المصنع ويحقق مئات الملايين ويستغني عن عمال المصانع سواء بالفصل أو المعاش المبكر.. الطابع العام للشركات التي تم تخصيصها هو تراجع أداء تلك الشركات أو إغلاقها كشركة طنطا للكتان التي نتج عنها إبطال زراعة الكتان أو الاستفادة بزيت الكتان أو حتي العلف الناتج عن عصره أو شركة المعدات التليفونية مع ما يصاحبه ذلك من مشكلات عمالية، كذلك شركة عمر أفندي من مصلحة من اشتراها بيع أصولها من المحال في أفضل المناطق التجارية. غير أن إهدار القدرات الانتاجية في مصر لا يقتصر علي برنامج الخصخصة، فقطاع النسيج هو نموذج لإهدار القدرة الانتاجية. مصر كانت أكبر منتج للغزول الرفيعة، والقطن المصري طويل التيلة وفائق الطول للتيلة كان يتصدر سوق القطن العالمي لهذه الاصناف، بدأ تخريب صناعة النسيج بتحرير تجارة القطن. القطن يمثل ثمنه 40% تقريبا من تكلفة النسيج، سعر القطن كان منذ أيام الملكية تحدده الحكومة بما يضمن مصالح الفلاحين المنتجين للقطن. وكانت توجد لجنة القطن المصرية التي تتسلم كل المحصول وكانت مصانع النسيج تتسلم القطن بالسعر الثابت الذي تحدده الحكومة ثم جاء تحرير تجارة القطن ليستفيد منها التجار دون الفلاحين، وفي الوقت الذي ارتفع فيه سعر القطن ثبتت أسعار النسيج واضطرت مصانع النسيج إلي الاستدانة لتعويض خسائرها، توقف التوسع والاستثمار في صناعة النسيج ثم توقف الاحلال والتجديد وتوقفت الصيانة وخربت المصانع ولم تعد مصر تنتج الغزول الرفيعة وتحولت لاستيراد القطن قصير التيلة وتوقف استهلاك القطن المصري وتراجعت زراعته حتي وصلت إلي 20% من الانتاج سابقا، وصحيح ان مصانع النسيج لم تخصص إنما تم تخريبها. وهكذا فإن الإضرار بالصناعة لم يتوقف علي تخريد الآلات بل وصل إلي الاستغناء عن العمالة المنتجة تحت نظام المعاش المبكر وتم الاستغناء بذلك عن الاسطوات وفقدان العنصر البشري وامكانية تربية عمالة شابة والعنصر البشري هو أهم عامل في العملية الانتاجية. والواقع ان إهدار القدرة الانتاجية في الاقتصاد المصري يتناول العديد من المجالات سواء في النظام المصرفي الذي يمول العملية الانتاجية والاستثمار أو بتحرير التجارة، لكن ذلك قصة أخري.