الأمس كانت ذكري استشهاد عبدالمنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة 1967 استشهد الرجل بين جنوده علي شاطئ الاسماعيلية الذي كان يفصل بين ضفتي قناة السويس، فعلي الضفة الشرقية كان الاسرائيليون قد وصلوا إليه، علي الضفة الغربية كان المقاتلون المصريون قد احتشدوا فوق مرارات الجراح وينتظرون يوم الثأر. العلاقة بيني وبين عبدالمنعم رياض كانت أكثر من وطيدة، علي الرغم أني لم ألتق به سوي مرة واحدة وفي زيارة خاطفة قام بها الرجل إلي مكتب تلميذه العميد عدلي شريف الذي قام في تلك الفترة بعمل ضابط الاتصال مع الصليب الأحمر رعاية للاسري المصريين والفلسطينيين في السجون الاسرائيلية. كان عبدالمنعم رياض رجلا فريد الطباع، فكل شيء في حياته خاضع للعلم، وهو زميل جمال عبدالناصر في نفس الدفعة ومعهما المشير أحمد اسماعيل الذي قاد القوات المسلحة كلها في حرب أكتوبر 1973. وعندما نعلم أن عبدالمنعم رياض كان واحدا من قلة رفض ترك القوات المسلحة إلي أي منصب مدني آخر كما فعل أكثر أبناء دفعة جمال عبدالناصر، حين نعلم ذلك سنري رحلة الرجل مع دراسة أحوال الكون كله، فلم يترك مدرسة عسكرية لم يدرس تفاصيلها سواء المدرسة العسكرية الانجليزية أو الأمريكية، ثم الروسية، وهو من نال لقب الجنرال الذهبي لتفوقه الخارق علي كل الدارسين بأكاديمية الحرب العليا بروسيا وكان اسمها في تلك الايام الاتحاد السوفيتي. وعندما نعلم أن الرجل سهر الليالي فور تخلص مصر من قيادات أدت بنا إلي الهزيمة الهائلة في يونية ،1967 عندما نعلم أن الرجل سهر الليالي من اجل فحص كل ملف لكل ضابط بالقوات المسلحة ليستبقي القادرين علي القتال وأهل الذكاء والقدرة علي التضحية، هنا يمكن ان نقدس للرجل رحلته في إعادة بناء جيش صار قوامه مليون مقاتل متعلم لمواجه العدوان. وعندما نقرأ أن التصميم الفولاذي لجمال عبدالناصر كي يستعد للقتال، فهذا التصميم الفولاذي استند ضمن عوامل اخري إلي قدرة عبدالمنعم رياض علي وضع أسس بناء مدرسة عسكرية مصرية استطاعت حتي بعد استشهاده أن تواصل الرحلة إلي النصر. وكلما جاء ال 9 من مارس في أي عام، ذكري استشهاد البطل الجسور، لا أتذكر الرجل فقط، ولكني اتذكر قول أبا ابيان من علي منصة الاممالمتحدة حين حكي كيف ايقظه رئيس وزراء اسرائيل ليقول له "أسمع مدفعية رياض بجانب أذني" وكان عبدالمنعم رياض أثناء حرب 1967 قائدا مشاركا علي الجبهة الاردنية. أذاق الرجل اسرائيل الويل بحرب استنزاف هائلة لم تكذب كل سطورها مكتملة حتي الآن، وكان واحدا من نبلاء زمان ترفع فيه الرجل عن أي ثروة أو نفوذ إلا نفوذ القدرة علي التضحية. تحية للرجل الجليل الذي ضحي كي نعيش نحن من بعده لنتذكر كيف آمن بقيمة الانسان المصري في صنع المعجزات، وقد صنع المصريون المعجزة، فهل نستلهم من خبرات هؤلاء معني تقديس العلم والتضحية، بدلا من تنفس هواء مزدحم بروائح فساد تفوق الخيال؟