قالت هيئة الإذاعة البريطانية ال "بي بي سي" إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أجري اتصالا هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد حذر فيه إسرائيل من عواقب شن أي عمل عسكري ضد بلاده، قائلا إنه ينبغي القضاء علي إسرائيل إذا ما أقدمت علي ارتكاب خطأ جديد في المنطقة، موضحا أن إيران علي علم بأن إسرائيل تبحث عن وسيلة لتعويض الخسائر المخزية التي تعرضت لها في حربيها الأخريين في غزة ولبنان. وكرر أحمدي نجاد القول كما تقول الإذاعة البريطانية بأنه في حال كررت إسرائيل أخطاءها وبدأت عملية عسكرية فيجب التصدي لها بكل قوة لوضع نهاية لها للأبد!! وفي الحقيقة، لقد كنا نتمني لو أن الرئيس الإيراني قادر فعلا علي تنفيذ هذه التهديدات التي تأتي من خلال تصريحات مثيرة تدغدغ مشاعر المواطن العربي ولكنها بعيدة الاحتمال والتنفيذ وغير ممكن حدوثها علي أرض الواقع. ونخشي ما نخشاه أن تكون تصريحات الرئيس نجاد شبيهة بتصريحات ديكتاتور العراق السابق صدام حسين الذي ظل يحدثنا أيضا عن امتلاكه لسلاح مدمر قادر علي حرق أربعة أخماس إسرائيل، وأن لديه جيشا هو الرابع في العالم ثم استيقظنا ذات صباح لنجد الدبابات الأمريكية تمرح في شوارع بغداد دون مقاومة وأن صدام نفسه ذهب ليختبئ في حفرة..! فالرئيس نجاد الذي يطلق تصريحاته النارية والتي تأتي متزامنة مع الذكري ال 31 للثورة الإيرانية يعلم جيدا صعوبة المواجهة العسكرية إذا ما اضطر لها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، وهو يطلق تصريحات مثيرة من ناحية ولكنه من ناحية أخري يمارس سياسة مختلفة ترسل إشارات تهدئة إلي الغرب تجنبا لأي صدام محتمل، وهو في هذا أكثر ذكاءا ودهاءا من الرئيس العراقي صدام حسين الذي لم يكن يجيد المناورات السياسية. غير أن ما يفعل الرئيس نجاد من محاولة كسب الوقت لن يكون مجديا لوقت طويل خاصة إذا استكملت الولاياتالمتحدة نشر منظومة الدفاع الصاروخي فوق دول مجلس التعاون الخليجي حيث ستشعر هذه الدول بالاطمئنان وتكون المنابع النفطية في أمان إذا ما تم توجيه ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران بسبب رفضها التجاوب مع المطالب الدولية بشأن برنامجها النووي. وقد يكون الرئيس نجاد مناورا بارعا في لعبة الصراع مع الولاياتالمتحدة ولكنه في الداخل لم يعد يتمتع بالتقدير والإجماع الذي يمكنه من اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة. فإيران تعيش اليوم أجواء من الاختناق السياسي والتضييق علي المعارضة. فالصورة التي تبدو عليها إيران اليوم مغايرة تماما لأحلام وتطلعات ثورة الخميني التي انطلقت قبل 31 عاما لتبحث عن مجتمع أفضل يرفض كل أنواع التمييز. فالمجتمع الإيراني اليوم يبدو تعيسا والثورة مثل أي ثورة انحرفت عن طريقها نحو نظام شبه متسلط لا يتردد في ممارسة انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، وينتهج أسلوب الاعتقالات والتهديدات لترهيب المجتمع الذي يموج بتيارات المعارضة التي مازالت تبحث عن المثل الضائعة للثورة التي ناضلوا من أجلها. ولكن يحسب لأحمدي نجاد أنه مازال قادرا حتي الآن علي الوقوف أمام الأمريكان واجبارهم علي التقدم إليه بعروض ومقترحات جديدة، فقد عرضوا عليه تقديم نظائر طبية مشعة مقابل امتناع إيران عن زيادة تخصيب اليورانيوم إلي نسبة 20% ولكنه رفض معتبرا أن العرض الأمريكي "غير منطقي"، ومؤكدا أن بلاده ترفض تماما التهديدات الدولية بفرض عقوبات جديدة عليها. والواقع أن سياسة العقوبات ضد إيران ثبت أنها غير مجدية، ولم تؤد إلي نتيجة أو تغيير في المواقف والسياسات الإيرانية، فرغم كل ما ذكرناه عن الوضع الداخلي في إيران إلا أن هناك اتفافا في الداخل حول البرنامج النووي الذي يتعاملون معه علي أنه هدف ومشروع وطني لا يتعلق بنجاد وحده وإنما بكل إيران ولا يمكن التراجع عنه. ولهذا فإن كل المؤشرات تدل علي أن هناك تفكيرا جديا في عمل عسكري ضد إيران التي اتخذت موقفا متشددا اعتقادا منها بضعف الإدارة الأمريكية الحالية للرئيس باراك وبأنه لا يرغب في مواجهات عسكرية جديدة، كما أن البرنامج النووي الإيراني قد تطور بسرعة كبيرة في الأونة الأخيرة، وإذا لم يتم إجهاض هذا البرنامج في هذه المرحلة فإن ذلك لن يتم أبدا، وسيكون علي العالم أن يتعايش مع إيران كقوة نووية جديدة، إن لم يكن هذا قد أصبح واقعا فعلا..! [email protected]