اليمن حيث الموقع الاستراتيجي المميز والفريد والذي يشرف علي أهم طرق التجارة العالمية، تنتشر فيه الآن الفوضي والاضطرابات ويجري اشعال نار الفتن بين أرجائه جنوبا وشمالا بل وفي كل أطرافه وتهدف الأطراف التي تقف وراء هذه الاضطرابات والفتن إلي تفكيك الدولة اليمنية وأن تتصارع القبائل والعشائر فيها علي فتات من الأرض المحروقة فتسهل السيطرة علي البلاد في ربوعه ولا يعود اليمن سعيدا كما كان يقال! ويفقد العالم العربي أهم نقاطه الاستراتيجية لحساب القوي الكبري والصهاينة. وقد كان اليمن سعيدا "ونحن أيضا" بوحدته عام 1990 وبدأ ينهض ويتقدم بما توفر له من طاقات متنوعة وموارد طيبة وامكانيات كافية لهذا كان قويا، ولكن لا يراد له أن يكون قويا..!! بل يراد له ألا يكون موحدا، بل وأن وينزلق إلي أتون الفوضي المدمرة التي تؤدي إلي تدهوره الاقتصادي والسياسي والثقافي وأن ينخر فيه الفقر والبطالة والتطرف والارهاب..!! ويصبح مرشحا لأن يكون احدي الدول الفاشلة مثله مثل الصومال وأفغانستان وهو نفس المصير الذي بدأ يهدد باكستان أيضا. يواجه اليمن مشكلتين كبيرتين تهددان حاضره ومستقبله السياسي وتعصفان بالبلد سواء في الجنوب أو الشمال وربما تؤديا إلي تفكك الدولة وانهيارها: المشكلة الأولي هي دعوة الجنوبيين إلي الانفصال وتمزيق الوحدة التي كانت انجازا كبيرا في التاريخ اليمني المعاصر وذلك لما تعانية محافظات الجنوب من اهمال كبير في مشروعات التنمية والتي كانوا يتوقعونها بعد الوحدة..!! كما أثارت حفيظة الجنوبيين مشكلة التوريث التي ظهرت علي سطح النظام اليمني. مما ولد لديهم مشاعر الرفض والغضب ضد النظام الحالي وعادت إليهم الرغبة العارمة في أن يعودوا إلي حكم أنفسهم وحل مشكلاتهم بعيدا عن النظام الحالي هكذا بدأت تتصاعد الدعوة للانفصال عن الشمال. * وإذا كانت مشكلة الجنوب وتهديده بالانفصال حديثة نسبيا فإن المشكلة الأقدم والأكبر والأخطر هي خروج الحوثيين في محافظة صعدة "شمال غربي اليمن" علي النظام والدولة بدعوي أنهم يدافعون عن أنفسهم ضد النظام الذي يتهمونه بالدكتاتورية والفساد وبمحاولة القضاء علي مذهبهم!! كما يقدمون مشروع توريث الحكم لنجل الرئيس علي عبدالله صالح باعتباره المفجر الأول للمشكلة الحوثية والمشكلة الجنوبية! حيث يدعي الحوثيون أنهم ينتسبون إلي البيت الهاشمي ويعتنقون المذهب الزيدي والذي ينقسم في اليمن إلي ثلاث فرق هي البترية والجارودية والصالحية وينتمي الحوثيون إلي الجارودية وحيث تري الجارودية أن السلطة يجب أن تكون حصرا في أبناء الحسن والحسين!! رضي الله عنهما" بل وتعتبر من يتولاها من غيرهم مغتصبا للسلطة يجب مقاومته..!! ورغم أن هذا الاعتقاد تلاشي عقب ثورة سبتمبر 1962 في معظم المناطق الشمالية من اليمن والتي كانت تعتنق المذهب الزيدي بسبب التعليم وبسبب المد السلفي علي اليمن إلا أن الاعتقاد بقي راسخا لدي بعض رموز الزيدية وبالذات في منطقة صعدة والتي تعتبر معقل المذهب الزيدي. ومن ناحية أخري فقد هزم الحزب الاشتراكي اليمني عام 1994 في الحرب ضد مشروع الانفصال الذي تبناه هذا الحزب وبدأ يظهر علي الساحة حزب التجمع اليمني للإصلاح والذي يضم الاخوان المسلمين كقوة أكثر نفوذا وتغلغلا بين الجماهير وبدأ النظام يشعر بخطورة تغلال هذا الحزب في صفوف الجماهير اليمنية وخاصة أن الحزب الحاكم "كما في معظم النظم العربية" ليس له قاعدة جماهيرية ولكن يعتمد في بقائه علي أجهزة الدولة الأمنية والمالية والاعلامية اضافة إلي مجموعة المنتفعين منه؟ لذا بدأ النظام يفكر في ايجاد قوة اجتماعية لها جذور مناوئة للفكر السلفي لحزب التجمع لكي تناهضه..! إلي جانب أن النظام كان في حالة خصومة شديدة مع السعودية عقب موقفها الداعم للجنوب اضافة إلي مشكلة الحدود المشتركة التي كانت محل نزاع بين الطرفين فكان النظام يري أن الحوثية واتجاهها المعادي للسلفية الوهابية كقوة اجتماعية يمكن استخدامها عند حدوث مواجهة مع السعودية..! لذا غض الطرف عن تسليح وتدريب الحوثيين بل وتم ذلك في البداية بمعاونة بعض أركان النظام..! وكان النظام اليمني يظن أن اضعاف الحزب الاشتراكي بالحرب وتصفيته أنه كان آخر عقبة في طريق توريث السلطة وكان يري توظيف الحركة الحوثية واستقلالها في إطار لعبة الصراعات الداخلية! وبدأ المتضررون من سياسة التوريث يحرضون الحوثيين علي أن الجمهورية إذا كانت ستؤول إلي وراثة فالبيت الهاشمي أحق بالوراثة من غيره!! وهكذا بدأ الحوثيون يتطلعون إلي السلطة مستثمرين هذا المناخ للحصول علي الدعم المالي والعسكري من بعض الدول الاقليمية مثل اريتريا وإيران أي أن أسباب الحركة مذهبية ثم تطورت في وسط الصراع الذي أثارته مسألة التوريث إلي بواعث سياسية فقام الحوثيون بالتمرد الخشن..!