أيا كان الرأي فيما يجري بين الجيش اليمني وجماعة الحوثيين فلن يختلف اثنان في أن تلك الفتنة تضرب مقومات الدولة اليمنية في مقتل ، ولن يكون نظام الرئيس علي عبد الله صالح هو الخاسر الوحيد من ذلك وإنما الضرر الأكبر سينال "الدولة " كدولة ... شعبا وأرضا وسينال من بعدها المنطقة كلها وسيخصم من رصيد الأمة – لا قدر الله - دولة مهمة مثل اليمن! وأيا كان الرأي فيما يجري فمن البدهي لكل ذي لب أن جماعة الحوثيين جزء من الشعب اليمني وأن حملهم السلاح علي النظام الحاكم – أيا كان هذا النظام – يصب في خانة التمرد الذي ترفضه كل القوانين الإقليمية والدولية والشرعية ومن يؤيده فإنما يدعو لتأسيس الفوضي في الدول ويوافق علي سيادة شريعة الغاب وذلك يفتح الباب لموجات من الفوضي والقلاقل في بلادنا . وكما تابعنا فلم تقتصر فتنة المتمردين الحوثيين علي الأراضي اليمنية وإنما نقلوها إلى أراضي المملكة العربية السعودية في محاولة لتوسيع رقعتها، وإشعال الفتنة في المنطقة بأسرها، ولم يُخفِ زعيم هؤلاء المتمردين تهديداته باستمرار نقل لمعارك إلى أراضي المملكة، فقد هدد في بيان صادر عنه نشره موقع جماعته المتمردة على الإنترنت: »إننا نعتبر أن أي اعتداء يأتي من الأراضي السعودية على أراض يمنية اعتداء على الشعب اليمني، وتفريط كبير في سيادته«، هكذا نصَّب هذا المتمرد نفسه وجماعته حاكماً شرعياً لليمن، ونصَّب نفسه متحدثاً باسم الشعب اليمني، ومفوضاً منه بتوسيع رقعة الحرب أينما شاء !! ويجدر بنا أمام هذه التطورات الخطيرة للأحداث أن نتوقف أمام ما يلي: أولاً: أن الدولة اليمنية معروف نظامها الشرعي المعترف به من دول العالم أجمع وأن الخروج المسلح على نظام الدولة الشرعي ( اتفقنا أو اختلفنا معه ) من أي فئة هو تهديد لوجود الدولة ذاتها ووحدة أراضيها، وإضعاف لوضعها على الخارطة، وينعكس بالويلات على الشعب، ويدخل البلاد في أتون صراعات لا أول لها ولا آخر، وهي لا تهدد نظام الحكم فقط، وإنما تهدد وجود الدولة ككيان، وإننا وإن اختلفنا مع سياسات النظام اليمني في الداخل، وإن طالبناه بإقرار العدل الاجتماعي وترسيخ الحرية والديمقراطية في البلاد، والتفاهم والحوار البنّاء والمجدي مع القوى السياسية المختلفة في البلاد، إلا أن الواجب يحتم علينا إدانة تلك الحرب المتمردة أسوة بإدانتا للحرب للتمرد في دارفور والجماعات المسلحة المتمردة علي نظام الحكم الإيراني و التي إن تحققت لها الغلبة فإنها ستدخل البلاد في دوامة من الاضطرابات والقلاقل التي يذوق ويلاتها الشعب، وليس أي طرف آخر. وغني عن البيان هنا، فإن ما ينبغي التشديد عليه هنا هو أهمية استقرار " الدولة " ووحدة أراضيها، وقطع الطريق أمام أي أعمال مسلحة ما لم تكن أرضاً محتلة، لأن ذلك يضعف الأمة في مواجهة المشاريع الاستعمارية الخارجية . واستحضر هنا مقولة الزعيم الجزائري الراحل الشيخ محفوظ نحناح عندما حملت إليه يوما الانتقادات اللاذعة لموقف حركته غير المؤيد للجيش الإسلامي للإنقاذ وكل الخارجين علي نظام الحكم يومها واتهامه بموالاته للجيش وللنظام فقال لي بالحرف الواحد : أنا لا أقف لا مع النظام ولا مع الجيش وإنما أقف مع خيار بقاء " لدولة " ولن أدخل في تلك الفتنة مع طرف ضد طرف لأنني لو دخلت فيها فستتسع ولن تكون هناك " دولة " أي لن تكون هناك أرض ولا شعب ولا نظام .. أنا أحافظ علي بقاء " الدولة " ولا شأن بالحكومات أو الأنظمة ولقد أثبتت الأيام سلامة موقف الرجل يرحمه الله . ثانياً: إن جماعة الحوثيين لا تعدو أن تكون جماعة معارضة للنظام اليمني، ولها الحق في أن تعبر عن مطالبها وحقوقها عبر الحوار والآليات السياسية والسلمية المعروفة، أما أن تحمل السلاح، وتخوض تلك الحرب المجنونة، وتنصِّب نفسها نداً للدولة، ومتحدثاً باسم الشعب، فذلك اغتصاب للسلطة، وهو ما لا يقبله عقل ولا يقره منطق، ومن يقبله فإنما يؤسس لمبدأ الفوضى وشريعة الغاب، ويقر أي فئة مسلحة تخرج علي النظام القائم في أي مكان . ثالثاً: إن نقل الفتنة والحرب إلى الأراضي السعودية أمر يبعث على الريبة والشك في أن وراء الحوثيين قوة أكبر منهم؛ إذ ليس بمقدور جماعة صغيرة مثل هؤلاء أن تخوض حرباً على جبهتين، وضد دولتين، وهنا فإن أصابع الاتهام تشير إلى الدور الإيراني في تلك الحرب، خاصة أن قنوات التلفزة المحسوبة على إيران تخوض الحرب بكل حماسة إلى جانب الحوثيين؛ ببياناتها وأخبارها وتعليقاتها المنحازة، وإن الأمر فيما يخص دور إيران لم يعد يحتمل المواربة أو السكوت، وعلى النظام الإيراني أن يعلن موقفه بصراحة مما يجري، فقد رفضت إيران بشدة قيام أي دولة بتقديم الدعم السياسي أو المسلح لجماعة " مجاهدي خلق" المعارضة، واعتبرته عدواناً عليها كنظام رسمي، بل إنها وجهت انتقادات لاذعة للغرب والشرق، وكل من ظنت أنه تدخّل بالتأييد أو بالتشجيع لجماعات المعارضة السياسية في الانتخابات الأخيرة، واعتبرت المعارضين عملاء للخارج، وحاكمتهم ووضعتهم خلف القضبان، حيث لاقوا ألواناً من التعذيب النفسي والجسدي، ولم تقبل في هذا الصدد أي انتقاد أو حتى لوم من المجتمع الدولي.. أليست جماعة الحوثيين مثل " مجاهدي خلق " ، فلمَ التأييد للحوثيين بينما يتم صب اللعنات على المعارضة الإيرانية؟! وكما قلنا آنفاً: نحن مع الوحدة والاستقرار، سواء كان ذلك في اليمن أو إيران؟ فهل يخرج النظام الإيراني عن صمته ويعلن موقفه بصراحة مما يجري؟ رابعاً: إن المملكة العربية السعودية دولة محورية وكبيرة وفيها مقدسات المسلمين، ولها وزنها الديني والسياسي في المنطقة بأسرها، ولذلك فإن محاولة توسيع رقعة الحرب على أراضيها يدخل المنطقة في اضطرابات وقلاقل خطيرة، ويكون من حقها أن تدافع عن أراضيها ووحدتها وأمنها بكل ما تملك. ومن جهة أخرى، فإننا نتوقع أن وراء هذه الفتنة الجديدة أطماع إقليمية، وأهداف لتمديد النفوذ والسيطرة على المنطقة، ولكن هيهات، فالمخططات مكشوفة، والشعوب - قبل الحكومات - لن تسمح بمرور هذه المخططات، والتي تعطي المبررات للتدخلات الخارجية بأي حجة كانت حتي ولو كانت باستقواء الحوثيين بالخارج على أبناء أمتهم، فعلى إيران أن تعيد التفكير في إستراتيجيتها، وتغلِّب حُسن الجوار وحُسن العلاقات على توتيرها، وتعلي قيم التعاون بين الشعوب المسلمة على إشعال الفتن والحروب، دعماً للسلم والاستقرار، وإبعاد المنطقة عن شبح الحروب المدمرة التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة المعروفون... • [email protected] • كاتب مصري - مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية