أثار ضعف الدولار الأمريكي وارتفاع اسعار النفط التكهنات بأن العالم قد يتجه في نهاية الأمر إلي الابتعاد عن تسعير النفط بالعملة الأمريكية. وكانت صحيفة اندبندنت البريطانية قد ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أن الصين واليابان وروسيا وفرنسا تعقد مباحثات سرية مع الدول العربية في الخليج للتحول خلال عشر سنوات إلي تسعير النفط مقابل سلة من العملات، لكن مسئولين من السعودية وروسيا وفرنسا نفوا التقرير في حينه، كما أكد مسئولون بأوبك وفي شركات نفط عالمية أن مثل هذه المفاوضات لم تحدث. يعد سداد العقود الفردية للنفط علي أساس عملة أخري غير الدولار بسيطا نسبيا، لكن تغييرا عالميا في تسعير النفط سيواجه عقبات تقنية ودبلوماسية كبيرة وسيهدد استقرار الدولار، ولذلك يعتقد ان معظم الدول تتجنب بحث هذه الموضوعات في أي مباحثات رسمية حول اصلاحات النظام الدولي. ويقول ديفد كيرش مدير معلومات السوق بمؤسسة بي اف سي انرجي في واشنطن "إن هناك عدة خطوات وسيطة، وانني أشعر أن معظم صانعي السياسة لم يبحثوا بعد أو أنهم لا يرغبون في البحث بجدية في الآثار الأعمق للتخلي عن الدولار". لكن الأزمة المالية جعلت الدول تفكر بصورة أكثر جدية في إصلاح الاقتصاد العالمي والأسواق، وفي امكانية فقدان الدولار في نهاية الأمر لموقعه عملة رئيسية في احتياطيات البنوك المركزية، وهذا ما دعا المسئولين في العديد من الدول للتحدث بشكل مسموع، لكن بصورة غير رسمية عن اصلاح عمليات تجارة النفط علي المدي البعيد من أجل الاستعداد لأي تغيير قد يحدث في وضع الدولار. وقد برزت فكرة تسعير النفط مقابل سلة من العملات قبل الأزمة المالية. فقد اثارت كل من ايران وفنزويلا الأعداء الدبلوماسيين للولايات المتحدة هذه المسألة أثناء انعقاد قمة دول أوبك في الرياض في نهاية العام 2007 لكن السعودية أحبطت مناقشة المسألة وتتقاضي ايران ثمن بعض نفطها باليورو بدلا من الدولار وهو ما يفعله ايضا بعض منتجي النفط والغاز الآخرين. وبعد أن توصلت روسيا إلي اتفاق لتزويد الصين بالغاز هذا الشهر قال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين انه لا يعارض فكرة بيع موارد الطاقة الروسية بالروبل عوضا عن الدولار. أما الإكوادور أصغر منتجي النفط في أوبك التي تبنت الدولار الأمريكي عملة رسمية قبل تسعة أعوام فقد قالت هذا الأسبوع إنها "من حيث المبدأ" تؤيد تسعير النفط باليورو أو مقابل سلة من العملات. إن أي تغيير سيحتاج لعدة سنوات لأن تعديل ممارسات تجارية قائمة لمدة طويلة ستكون مسألة معقدة، كما ان الدول المعنية سترغب في تفادي زعزعة استقرار الأسواق. كما يمكن زيادة كميات النفط التي تسعر بعملات غير الدولار بين الدول المنتجة والمستهلكة وقد يكون ذلك جزءا من جهد تقوم به الدول النانمية الكبري لتقليل اعتمادها علي التجارة المقومة بالدولار، فالصين علي سبيل المثال تستخدم برامج بحذر لتعزيز استخدام اليوان وليس الدولار في تسديد حسابات التجارة الخارجية. وكتب كو هونجبن كبير اقتصاديي بنك اتش اس بي سي بالصين في تحليل له نشر في أغسطس الماضي "لن أشعر بالدهشة إذا أصبح نصف تجارة الصين السنوية العابرة للحدود تسدد باليوان عوضا عن الدولار في الأعوام الثلاثة أو الخمسة القادمة" ويمكن توسيع نطاق تجارة النفط غير القائمة علي الدولار بسهولة حتي إذا استخدمت الدولار سعرا أساسيا عند احتساب التسديد بعملات اخري، لكن تحولا أساسيا أكبر يحتاج إلي التحرك بعيدا عن استخدام العقود الآجلة التي تعتمد علي السيولة الدولارية وتحتسب بالدولار، وهي المقبولة أساسا لهذه العملية في العالم. وبالنسبة للعقود الآجلة أو المستقبلية لا يوجد منافس آخر للدولار في القريب يهدد العقود المستقبلية لخام النفط الأمريكي الخفيف في سوق نايمكس الأمريكي أو نفط برنت الأوروبي الذي يتم التعامل به في نايمكس أيضا. وقد أخفقت المحاولات حتي الآن للعقود الآجلة غير الدولارية في أسواق أخري في سحب السيولة بعيدا عن الأسواق الأساسية. كل الدول قد تربح إذا أصبح سعر النفط اقل اضطرابا، ما يسمح للمنتجين والمستهلكين بالتخطيط بصورة أفضل ويخفض نطاق التقلبات الكبيرة علي جانبي الصعود والهبوط. وقد تستطيع سلة من العملات ان تخفض الاضطراب الشديد للأسعار بالحد من تأثير التقلب العنيف في سعر صرف عملة بعينها. وقد ارتبط سعر النفط معظم هذا العام بصورة شديدة بالعلاقة في سعر الصرف بين الدولار واليورو، ولذلك كان التكهن بالاتجاه الذي سيتخده الدولار مشجعا لاستقراء اتجاه سعر النفط والعكس صحيح، لذلك قد يؤدي كسر مثل هذه العلاقة إلي الحد من التقلبات الكبيرة في سعر النفط. إن التخلي عن الدولار عملة لتسعير النفط يعني أيضا أن الدول لن تعود بحاجة إلي تحمل المجازفة النقدية بالاحتفاظ بكميات كبيرة من العملة الأمريكية من أجل شراء النفط، رغم انها ستكون بحاجة للاحتفاظ ببعض العملات الأجنبية الأخري. إن الخاسر الأكبر من التحول عن الدولار سيكون الولاياتالمتحدة، لأن مثل هذا التحول سيقوض الدولار عملة احتياط رئيسية في العالم. إن هذا الدور منح للولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم مميزات اقتصادية كبيرة ومن هذه المميزات انها تستطيع الاقتراض علي مستوي العالم بعملتها، مما سمح لها بالحصول علي قروض ضخمة من الخارج دون ان يحدث ذلك أزمة في ميزان مدفوعاتها. إن أسواق العملة والنفط في العالم قد تبقي مضطربة لمدة طويلة لعدة سنوات قادمة، وقد يحفز هذا الاضطراب الدول لتجشم الأعباء الصعبة لمهمة تغيير نظام تجارة النفط، وإلا فالبديل هو التعايش مع النظام الحالي. إن الجغرافيا السياسية يجب أيضا ان تتغير، إذ من المتوقع ان تعارض الولاياتالمتحدة مثل هذا التحول الذي سيقوض وضع الدولار، فهي ترتبط بعلاقات قوية مع السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم من خلال مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية، وبأخذ القوة الاقتصادية الناشئة للصين في الاعتبار من الصعب تصور نظام تسعير لا يتضمن اليوان، لكن لكي تكون الدول الأخري راغبة في المحافظة علي كميات كبيرة من اليوان الصيني أو ادخال اليوان في سلة عملات لتسعير النفط يجب ان تعوم العملة الصينية في السوق مثل الدولار الأمريكي تماما. وقالت الصين إنها تهدف إلي تحرير نظام عملتها، لكنها تتحرك نحو ذلك ببطء شديد لأنها لا تريد ان يسبب ذلك الضرر لاستقرار اقتصادها، ويعتقد العديد من المحللين أن الصين تحتاج إلي خمس أو عشر سنوات لتحرير عملتها. ويقول جريج بريدي من مؤسسة يوروسيا الاستشارية عن فكرة اصلاح النظام العالمي لتسعير النفط "يمكن أن نتحدث عن ذلك بصورة جادة بعد عشر سنوات من الآن، لكني لا أعتقد أنها ممكنة بصورة جدية حاليا.