هل تصدق أن المصريين ينفقون مليار جنيه علي الطعام في شهر رمضان؟!! هذا هو ما ذكرته عدد من وكالات الأنباء الأجنبية والتي قالت إن فاتورة شهر رمضان في 27 دولة إسلامية وصلت إلي 200 مليار دولار نصيب مصر منها 30 مليارا هذا الرقم يدل علي أننا أصبحنا مجتمعا استهلاكيا فنحن نستورد 80% من مستلزمات الغذاء في رمضان ووارداتنا من القمح عموما تفوق ما تستورده 27 دولة أوروبية!! هذا النمط الاستهلاكي ليس قاصرا علي الطعام فقط وإناما أصبح أسلوبا في مجالات عديدة فالانفاق السنوي علي التليفونات فحسب ذكره الكاتب الكبير فاروق جويدة في إحدي مقالاته يقدر ب 34 مليار جنيه أي ما يتخطي دخل قناة السويس، وحجم صادراتنا للأسواق الخارجية، وتحويلات المصريين بالخارج. وبعيدا لمثال ذكره الكاتب الكبير فإن انفاق المصريين علي المنشطات الجنسية يتجاوز 6 مليارات جنيه سنويا حسب تقديرات عدد من الخبراء كل هذا يكشف غياب الوعي بأهمية الترشيد داخل المجتمع المصري ويترتب علي هذا الشق الاستهلاكي من هدر للامكانيات والقدرات الاقتصادية. يقول فاروق العشري الخبير والمستشار المالي والاقتصادي وعضو لجنة الإدارة العليا بالبنك المركزي سابقا إن الاستهلاك البذخي داخل المجتمع المصري أصبح ظاهرة خطيرة ولافتة للانتباه وخاصة في ظل ما تحويه من ممارسات لا تناسب مطلقا مع وضعنا كبلد نامي يتراكم عليه ديون داخلية وخارجية هائلة. فمصر عليها ديون خارجية أقساطها مجدولة وقائمة حتي نهاية 2050 وفوائد هذه الديون تصل ل 18% سنويا كما أن الدين المحلي تجاوز ال 800 مليار جنيه للمصريين من أذون الخزانة وصندوق توفير البريد. ويشير العشري إلي أهم صور الاستهلاك الاستفزازي حيث يقدر حجم استيراد الياميش وحلوي رمضان بمليار و200 مليون دولار!! مطالب باتخاذ، موقف إزاء استيراد السلع الترفيهية ومشيرا إلي أنه خلال حقبة الستينيات والتي كان يتم أثنائها بناء الصناعة في مصر ثم وقف استيراد الياميش من الخارج تماما واقتصر الأمر علي المنتج المحلي من البلح والتمر والعرقسوس، مما ساعد الدولة علي تحقيق انجازات مهمة منها إدخال الكهرباء للريف وبناء المدارس.. وغيرها من الخدمات الأخري يستطرد العشري: صور الاستهلاك الاستفزازي ليست قاصرة علي الياميش وهناك أشياء أخري تكلف الدولة ملايين الجنيهات مثل التليفونات المحمولة والسجائر والمقاهي التي انتشرت وتغلغلت في كل الاحياء وبمستويات مختلفة. أيضا هناك مظاهر البذخ في الانفاق علي الملابس الجاهزة خاصة بالنسبة للطبقات الغنية. وكذلك السيارات الفارهة التي نشاهدها تملأ شوارع القاهرة كما أن الاستهلاك الزائد وصل إلي حد امتلاك اليخوت!! هذا بخلاف استيراد غذاء للكلاب والقطط بملايين الجنيهات!! ويكشف العشري جانب آخرا من الاستهلاك غير المجدي وهو الانفاق علي المنشطات الجنسية سواء أقراص فياجرا.. أو غيرها والتي قدرها البعض حسب قول العشري ب 6 مليارات دولار في العام!! ويري العشري أن المشكلة الحقيقية في هذا السلوك العشوائي أنه يأتي في الوقت الذي تتدهور فيه الأنشطة الاقتصادية الرئيسية داخل الدولة فالزراعة والصناعات التحويلية متخلفة وتمثل نسبة ضئيلة في الناتج المحلي الاجمالي، وموارد البلاد من العملة الصعبة تعتمد علي تحويلات المصريين من الخارج والسياحة وقناة السويس وهذه ليست موارد حقيقية في الاقتصاد الكلي فالأساس هو الزراعة والصناعة باعتبارها أوجه الاقتصاد الحقيقي. يضيف العشري أن الانفاق الترفي ليس قاصرا علي الأسر المصرية فحسب، فالتجهيزات الخاصة بمكتب الحكومة والسفريات والوفود الخارجية، ورواتب ومكافآت البعض التي تصل لملايين الجنيهات كلها أمور يجب الوقوف أمامها لعدم تناسبها مع وضعنا كبلد نامي. ويؤكد أن مواجهة الاستهلاك الترفي المتفشي داخل المجتمع لن يتأتي إلا من خلال وجود قدوة علي مستوي الدولة ككل، فالحكومة عليها أن تقوم بإعلان سياسة للترشيد وتضرب المثل في ذلك.