يخطئ من يعتقد ان القرارات الإدارية التي اتخذت ضد ملف الحديد وساعدت علي كبح ارتفاع أسعاره قد تنجح في ملف الأسمنت.. والأسمنت أحد الملفات الشائكة في السوق باجماع الخبراء ويتطلب حنكة ومعاملة ذات طبيعة خاصة.. ربما بسبب المكانة التي تحظي بها هذه الصناعة عن غيرها من الصناعات الأخري، خاصة انها تعد من الصناعات الاستراتيجية لكونها صناعة وسيطة لاثنين من أهم الأنشطة الاقتصادية: المقاولات والاستثمار العقاري، كما انها صناعة ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها عند إقامة المشروعات الانتاجية والخدمية المختلفة، وكذلك عند تأسيس المباني السكنية والبنية التحتية، وتعد صناعة الأسمنت إحدي المؤشرات المعتمدة في قياس معدلات النمو الاقتصادي في أي بلد. ملف الأسمنت شهد خلال الأيام القليلة الماضية 3 سيناريوهات مهمة كان في ظاهرها الرحمة ولكن من قبلها العذاب الذي يكون ضحيته المستهلك البسيط وحده. السيناريو الأول هو رفض محكمة جنح النقض الطعون المقدمة من 18 متهما من محتكري الأسمنت، وتأييدها الأحكام الصادرة ضدهم عن محكمة أول درجة بتغريم كل واحد 10 ملايين جنيه لمخالفتهم قانون حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية، واتفاقهم فيما بينهم علي زيادة أسعار الأسمنت بصورة مبالغ فيها. السيناريو الثاني إعلان الأسعار علي شكائر الأسمنت وتثبيت الأسعار مادامت توجد تكاليف إضافية علي إنتاج الأسمنت، والهدف من ذلك هو إحكام القبضة علي التجار والموزعين لعدم التلاعب وزيادة الأسعار. أما السيناريو الثالث فهو التهديد من جانب سائقي المقطورات بالإضراب، وهو ما دعا المهندس أحمد الزيني رئيس شعبة البناء والتشييد إلي التحذير من أن أسعار الأسمنت قد تصل إلي ألف جنيه للطن إذا ما حدثت إضرابات. هذه 3 سيناريوهات، لكل منها أسبابه وردوده، لتكون النتيجة النهائية بالنسبة للأطراف ذات الصلة بالملف أن ما يحدث في السوق لا يتماشي مع اقتصاديات السوق الحر فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية ضد المخالفين، وإذا كان ذلك جانبا في القضية فإن الجانب الآخر هو استمرار الاتهامات المتبادلة بين الشركات المنتجة للأسمنت والتجار، حيث نجد كل طرف يلقي بالمسئولية علي الطرف الآخر، ويتهمه بأنه السبب في الأزمة التي يمر بها سوق الأسمنت ووصول الأسعار إلي ارتفاعات كبيرة. البحث عن الأسباب كل هذه الأحداث المتلاحقة دفعتنا لطرح سؤال علي الدكتور شوقي السيد أحد أعضاء هيئة الدفاع عن الشركات المتهمة بممارسة العمليات الاحتكارية حول السيناريو المحتمل إذا ما تم رفض الطعون، وهل مثل هذه الإجراءات من شأنها ضبط الأسواق بالفعل أم أنها غير قادرة علي ذلك؟ "القضايا الاقتصادية لا تعالج بمثل هذه الأدوات التي تقوم علي التجريم، والعقوبات المشددة، فكان علينا البحث عن الأسباب الحقيقية التي اسهمت في ارتفاع الأسعار والتعامل معها بحنكة".. كان هذا رد الدكتور شوقي السيد، مضيفا: "لذا فإن الخطوة القادمة بالنسبة لهيئة الدفاع تقديم إلتماس بإعادة النظر في الطعون". وتابع متسائلا: "لماذا لم تقم الحكومة بزيادة الإنتاج من خلال انشاء مصانع جديدة قادرة علي الايفاء باحتياجات المستهلكين في سوق يخضع للطلب والعرض، بدلا من البكاء علي اللبن المسكوب؟". فالبحث في أساس المشكلة هو بداية الطريق الصحيح للحل، وليس الإجراءات المتعسفة، فماذا فعلت مثل هذه الإجراءات مع نواب القروض والهاربين سوي استعطاف هؤلاء الهاربين بعد مرور أكثر من 10 سنوات، ونحن لا نريد تكرار أخطاء الماضي مرة أخري مع آخرين. إذاً تغليظ العقوبة ليس وسيلة للردع علي حد قوله، فليس من السهل "تطفيش" المستثمرين، ومن المصلحة العامة دراسة الحلول بعيدا عن قرارات قد نندم عليها بعد ذلك. الأسعار مرهونة بالتكلفة لماذا لجأت الشركات المنتجة للأسمنت إلي خفض الأسعار بل تثبيتها والإعلان عن السعر وطبعه علي شكائر الأسمنت بحيث لا يتجاوز سعر المصنع ال 460 جنيها والمستهلك ال 525 جنيها المهندس محمود علي حسن رئيس شركة أسمنت قنا أجاب علي ذلك بقوله: "ان الذي دفع شركات الأسمنت لخفض الأسعار هو انخفاض التكلفة سواء في الكهرباء أو المادة الخام، وبالتالي تم دراسة تكلفة الشحن وهامش الربح للتجار ثم تم وضع التسعيرة النهائية التي لابد أن يلتزم بها التاجر". ولكن إذا زادت هذه التكلفة فسوف تقوم الشركات برفع أسعار الأسمنت بعد إخطار الجهات الرقابية بذلك وفقا لقوله "فالفيصل هنا التكلفة" والسوق عرض وطلب بالاضافة إلي أن التصدير لا يمثل إلا 2% من الإنتاج اذن أين المشكلة؟