هل أطلب المستحيل حين تتوق النفس إلي الرقي في حياتنا؟ وهل العالم الثالث من سماته الهمجية والبعد عن الرقي؟ وهل يرتبط الرقي بمستوي الدخل عند شعب من الشعوب؟ ولنكن محددين أكثر، فلست أقصد بالرقي "الرفاهية" لكني أقصد رقي المشاعر ورقي التعامل الانساني في العمل والحب والجنس، إن هناك زوجات كرهن العلاقة الحميمة بسبب عدم الرقي في الاقتراب ووحشية الأسلوب، إننا شعب عريق وله أصالة وتاريخ وله حضارة أشرقت شمسها في فجر التاريخ علي العالم، حضارة لها هذا الرقي في كل شيء ولكن القرون الحديثة خاصمت الرقي وظهرت في قاموس حياتنا كلمة جديدة اسمها "العشوائية" ومن الممكن أن تكون العشوائية، همجية وشراسة وصخب وفوضي وذلك حال زماننا إلا قليلا، في "الجونة" مثلا أري "الرقي" وأسمعه وأحسه. وعندما أقول إنني اسمع الرقي، فأنا أعني المعني تماما، انه خفوت الصوت الأقرب إلي الهمس، انه التعامل بادب بالغ، لا أصوات عالية أو شتائم أو مسجل عال الدوي قرر صاحبه ازعاج الناس باصرار. ولأن طبقة من البشر دخلوا "مارينا" من باب المظهرية، فقد اختفي الرقي وحلت محله عشوائية السلوك، نعم، إن الثقافة في نهاية الأمر هي السلوك، أنا لا أعني التهجم علي سكان مارينا لكني أضع خطين تحت النزوح إلي مارينا بسبب المظهرية. ان فئات تملك المال دخلت مارينا المشاهير، ذلك أن الهرم الاجتماعي قد انقلب وأصبح قمته المالي، ولاتهم من أين يأتي، لكن من المؤكد أن الرقي بات حلما صعب المنال، وهذا يدعونا للتساؤل.. هل الرقي مرتبط بالندرة السكانية؟ الإجابة: غير صحيح، فهناك مجتمعات فيها ندرة سكانية وتتمتع بهمجية في السلوك والعادات، في مصر يشكو جيلي من همجية السلوكيات التي تحكم هذا الزمن وبالطبع لأيمكن العودة لزمن "الروقان" كما تطلق عليه فاتن حمامة، أنا لا أظن أن زمن الروقان سهل المنال بعد ان تعقدت الحياة ودخلت التكنولوجيا اللعبة، فالحياة صارت صخبة وصار الهواء ملوثا والهدوء ملوثا والسلوك ملوثا. قف في أي مطار في العالم ستكتشف أن الهدوء من سماته. أريد أن أتوقف هنا لأقول إن الهدوء أحد ملامح الرقي، لقد زرت سويسرا منذ عام حين كانت مصر ضيف شرف في عيد الكتاب العالمي، الهدوء يسري في كل مكان.. والتعامل الراقي حيثما ذهبت: لا تقولوا إن الزيطة والزمبلطية صفات مصرية لخصائص مصرية ولا تقولوا ان القمامة في كل مكان سمات مصرية فهذه "وصمة" في جبين مصر، وإذا كنا نتوق حقا للرقي كمنهج حياة فالتعليم الراقي وحده يهذب الطبائع والنفوس والسلوك.