علي خلفية علاوة لم تزد هذا العام علي 5% مع إرهاصات عام مالي صعب قادم، تقدم أحد أعضاء مجلس الشعب باقتراح طالب فيه بوقف تحصيل حصة الموظفين في الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والهيئات الاقتصادية من أقساط التأمينات لمدة عام حتي تنتهي الأزمة المالية. والاقتراح ظاهره "الرحمة"، إلا أن الخبراء الذين ناقشتهم "الأسبوعي" أكد أن باطنه "عجز" سيزيد وشددوا علي أن العاملين في الدولة لم يتأثروا بالأزمة المالية وأن الأكثر تضررا هم العاملون في القطاع الخاص، كما أشاروا إلي أن تأجيل سداد الأقساط ليس حلاً مناسباً أو مثالياً. وهكذا كان الاقتراح.. ورؤي الخبراء حول مدي استفادة نحو 6 ملايين موظف عام من تطبيقه. بداية يوضح النائب صابر أبوالفتوح عضو مجلس الشعب وصاحب الاقتراح المقدم لوزير المالية أن الهدف من اقتراحه دعم العمال وإنعاش السوق الداخلي بزيادة القوي الشرائية منوهاً أن العمال هم الشريحة المؤثرة في تحريك السوق الداخلي إذا ما وضعنا في الاعتبار أن رجال الأعمال وصفوة المجتمع يعتمدون علي السوق الخارجي في شراء مستلزماتهم الأساسية ويشير هنا إلي أن العاملين بالدولة هم الطبقة الوحيدة التي لم يتم اتخاذ إجراءات لحمايتهم من آثار الأزمة المالية في الوقت الذي اتخذت فيه الدولة تدابير عديدة لمساعدة القطاع الخاص علي عبور هذه الأزمة وقد تمثل ذلك في رصد مليارات الجنيهات لدعم القطاع الصناعي والزراعي والصادرات، ومن هذا المنطلق وتطبيقاً لمبدأ المساواة يجب علي الدولة أن تتحمل أقساط التأمينات لمدة عام. ويوضح أبوالفتوح أن الاقتراح معروض حالياً ومحل مناقشة أعضاء مجلس الشعب وإن كان يتوقع أن يلقي رفضاً من الأغلبية ومن وزير المالية نفسه متعللاً بوجود عجز في الموازنة وعدم إمكانية توفير المبلغ الذي سيفقد من جراء تنفيذ هذا الاقتراح، ويري أبوالفتوح إذا كان وزير المالية يتساءل من أين سيتم تدبير هذه الأموال؟ فأنا أرد عليه بأنه يمكن توفيرها من نفس المصدر الذي تم من خلاله توفير ال 13 مليار جنيه لدعم المصدرين، كما أن مبلغ التأمينات ليس كبيرا فهو حوالي خمسة مليارات جنيه ومن ثم فهو مبلغ ضئيل مقارنة بما تم صرفه في قطاعات أخري. ويشير إلي أن هناك مصادر كثيرة يمكن من خلالها توفير هذا المبلغ مثل تحصيل الضرائب المستحقة علي رجال الأعمال بشكل جدي، أو تخفيض موازنة الأمن لأن استخدام هذه المبالغ لحماية الوسط العمالي من الإضرابات سيكون في صالح حفظ الأمن الداخلي. عبء علي الجميع وعلي الجانب الآخر استطلعت "العالم اليوم الأسبوعي" آراء الخبراء في ذلك الاقتراح حيث يري د. علي شاكر رئيس قسم التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة أن السنة المالية والتي ستبدأ من يوليو القادم حتي 30/6/2010 سوف تكون سنة سيئة علي الاقتصاد القومي بسبب تأثر الموارد الرئيسية للاقتصاد الوطني سواء للحكومة أو لقطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص والذي يتحمل 80% من استثمارات الدولة، ومن هذا المنطلق يصعب اتخاذ أي إجراء من شأنه إحداث خلل في الموازنة العامة للدولة. ويشير د. شاكر إلي أن وقف تحصيل أقساط التأمينات لمدة عام لا يمثل حلاً جذرياً لمشكلة العمال، خاصة كونها حقوق تأمينية مستقبلية للمؤمن عليهم، مما يعني أنها حقوق ملزمة يجب علي المؤسسة تسديدها للحكومة وحتي لو تم تنفيذ الاقتراح فالمبلغ سوف يتحول لدين يجب تسديده في أقرب وقت مما يمثل عبئاً إضافياً علي المؤسسة والعامل في نفس الوقت. ويوضح شاكر أن الاقتراح هذا قد يكون وجيهاً إذا ما تم تطبيقه علي العاملين في القطاع الخاصة لأنهم بالفعل سوف يتضررون بشكل مباشر من الأزمة، وصاحب العمل مطالب شهرياً بدفع 40% من أجر العامل تأمينات وهذا الرقم الكبير قد يكون الدافع وراء تسريح آلاف العمال، مشيراً إلي أن المقترح في دول العالم هو تخفيض التأمينات علي أصحاب الشركات وعلي العمال الجدد بهدف تشجيع أصحاب الشركات علي توفير فرص عمل جديدة والتخفيض هذا يكون في خلال فترة زمنية معينة، وهناك حل آخر وهو قيام الدولة بدفع مبالغ التأمين المستحقة نيابة عن الشركات والعمال لهدف ووقت محدد. فئة لم تتأثر وتؤكد د. نهال المغربل أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن موظفي القطاع العام هم الفئة الوحيدة التي لم ولن تتأثر من جراء الأزمة المالية لأنهم يتمتعون بميزة الحصول علي راتب ثابت وهذا الأجر وإن كان ضئيلاً إلا أن معدلات التضخم قد بدأت تنخفض وبالتالي لا يمكن القول بأن القوة الشرائية للنقود زادت مع اتجاه الأسعار إلي الانخفاض تدريجياً. وتضيف المغربل أن الحكومة تستوعب عدداً كبيراً من العمالة وفي ظل عجز الموازنة وزيادة الدين العام لا يمكن وقف تحصيل أقساط التأمينات لأن هذه الخطوة من شأنها إحداث حالة من ارتفاع الأسعار مثلما يحدث حينما يتم إقرار العلاوة السنوية. كما تشير إلي أن القطاع الحكومي يحتاج إلي إعادة هيكلة للأجور وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ولكنها مشكلة مستقلة ليس لها علاقة بالأزمة المالية. وتوضح أيضاً أن الموظف العام يمتلك أجراً وهذا ما أشار إليه وزير المالية مؤخراً والذي نوه إلي أن الأجر الثابت هذا كاف لحماية هذه الفئة من المجتمع وبدلاً من منحها زيادة في الأجر لن تفيد حيث سيقابلها ارتفاع أسعار يلتهمها يمكن تحفيز الطلب من جهة أخري كتقديم دعم للقطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة أو توفير ذلك العمل للذين أضيروا من الأزمة المالية العالمية. وسائل أخري كما يشير د. إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية إلي أن الاقتراح فيه مزايا وعيوب، ومن المزايا أن وقف تحصيل أقساط التأمينات لفترة سوف يضمن للموظفين دخلاً معقولاً بالإضافة إلي الناحية النفسية والتي تتمثل في إعطاء إيحاء للمواطنين بأن الحكومة تتخذ بعض الإجراءات التي ستساعد طبقة العمال في الحكومة، خاصة أن معظمهم يحصل علي أجور منخفضة. وفيما يتعلق بالعيوب التي قد تنشأ من جراء تنفيذ هذا الاقتراح فهو أن هناك عجزاً كبيراً في التأمينات الاجتماعية والحكومة تتحمل سداد جزء كبير من التأمينات والمعاشات وبالتالي فتنفيذ هذا الاقتراح قد يزيد من قيمة العجز، بالإضافة إلي أنه لا يجوز تطبيقه علي قطاع واحد لأن التطبيق يجب أن يشمل جميع العاملين في الدولة. ويري الدسوقي أن الأفضل هو الابتعاد عن هذا البند الحيوي والتفكير في وسائل جديدة لدعم العمال، خاصة أن العمل بها يتم بموجب قانون يصعب تغييره، كما أن الوقت غير مناسب في ظل قرب العمل بقانون التأمينات الجديد والذي من خلاله سيتم استثمار الأموال لجلب عوائد أكثر. آخر الكلام حول هذا الاقتراح يري د. أحمد محمد معيط مستشار وزير المالية لشئون التأمينات والمعاشات أن تحصيل اشتراكات التأمينات وتسديد المزايا يتم بموجب قانون وأي تعديل يحتاج إلي سن قانون جديد يصدره مجلس الشعب، ويؤكد ضرورة وجود جهة تقوم بسداد هذه الاشتراكات، لأن وقفها يعني عدم إلزام التأمينات بدفع المزايا المتمثلة في المعاش في حالة الوفاة، مشيراً إلي أن تطبيق مثل هذا الاقتراح سوف يحدث مشكلة لأن المزايا التي يأخذها العامل بعد سن المعاش تحدد بناء علي المبلغ الذي تم دفعه ومن ثم فهذا العام قد يحدث فجوة في الايرادات والمصروفات ويقول: إن تطبيق ذلك الاقتراح يتطلب ضرورة وجود بديل لدفع المزايا وهو أمر مستحيل حالياً، خاصة أن حصيلة الاشتراكات الخاصة بالعاملين بالدولة تصل إلي 1،20 مليار جنيه.