كثيرا ما نفاجأ بأفكار متطرفة، تتحول إلي أفعال متطرفة، تصل إلي القتل والحرق، والتفجير والتدمير، ونبدأ ساعتها في التساؤل الساذج: ما هو سبب ذلك كله؟!. ثم نبدأ في السؤال الأكثر سذاجة: ما الذي أوصلنا إلي هذه الحالة؟ ثم نبالغ في التساؤلات الساذجة مع الإشارة إلي المؤامرة الخارجية لإراحة ضمائرنا. لا يا سادة.. نحن نصنع التطرف، ونحن نخلق المشاكل بطريقة تفكيرنا وسلوكنا وردود أفعالنا. كثيرون يميلون إلي التعصب والسيطرة.. إذا كانت في صالحهم. ولأن معظم النار من مستصغر الشرر أسوق مثالا بالغ البساطة، أكبر فريقين في مصر هما الأهلي والزمالك وينقسم الناس بينهما فتشجيعهما يصل إلي درجة التعصب، وهو أمر وثيق الصلة بصناعة التطرف.. كيف؟! يشكو مشجعو الزمالك من هيمنة الأهلي فريقا، وإعلاما، وجمهورا، وقدره علي اجتذاب اللاعبين، والرغبة في احتكار الفوز دوما، وتضييق الفرص علي الأندية الأخري. وهناك من ينظر إلي ذلك كله علي أنه أمر لا غضاضة فيه طالما ان ذلك في مصلحته. ما سمعته من كثيرين من زملائي مشجعي الزمالك أنهم مستعدون للخسارة في مباراة وقابلون للهزيمة مقابل ألا يحصل الأهلي علي الدوري. تصوروا، هناك فكرة ما تقول: "لا أحصل علي حقوقي.. ومستعد للهزيمة نكاية في الفريق الآخر". أليس هذا نموذجا واضحا لنمط تفكير ورد فعل "عدمي" يخلق حالة من حالات التطرف الواسع خاصة إذا ما مددنا الخط علي استقامته؟. أتصور أن أي جهد بشري لابد أن يكون له مكافأة، لكن ماذا نقول حينما تصبح مكافأتي وسعادتي ليست في الفوز أو بذل الجهد وإنما خسارة الآخرين!. أليس هذا أمرا في منتهي العجب؟ ألا يستدعي هذا المنهج وقفة خاصة حينما أعلم أن هناك مشجعين للنادي الأهلي وهبوا حياتهم للتشجيع.. ولو بالقوة؟؟. إذا لم يكن هذا كله مصنعا لإنتاج التطرف، فماذا نقول عنه، كل تطرف وببساطة يرفض الآخر ويتمني هزيمته وزواله ولو علي طريقة شمشون "علي وعلي أعدائي" وهو ما يعني الهدم. قد يبدو هذا النموذج البسيط أمرا طبيعيا وعاديا في نظر الكثيرين، ولكنه في الواقع أمر لافت للنظر بشدة، يستحق التوقف والتفكير، والدراسة والتحليل، فهو يشير إلي منهج تفكير خطير. نموذج آخر هو أزمة أنفلونزا الخنازير أليست المسألة في البداية وفي النهاية قضية صحية وعلمية؟ أليست خطرا يهددنا جميعا دون أن ينظر إلي بطاقتنا الشخصية؟ إلا أنها وبفضل هذا النوع من التفكير اكتسبت - ولا أعلم كيف - مبدأ طائفيا - يتسم في حقيقته بالتعصب وهو السلاح الأسهل الذي شهره البعض لتغطية توجهاته. يقول موقع "مصراوي" علي الإنترنت "هدد عشرات الأقباط من ملاك مزارع تربية الخنازير باللجوء للرئيس أوباما من أجل عدم المساس بأي مرب للخنازير علي الضواحي المصرية" ولا أعلم مدي صحة أو مصدر هذا التصريح. ولكني لا أتصور أن هذا الأمر يخص الرئيس الأمريكي من قريب أو بعيد، والذي يفصل فيه أولا واخيرا هم الأطباء والعلماء والمختصون. ثم خذ عندك التالي قال النائب صبحي صالح من جماعة الإخوان المسلمين: "لا ينبغي معها للنظام المصري أن ترتعد فرائصه أمام أي تلويح باللجوء للقوي العالمية من قبل أي فصيل أو فئة تهدد باللجوء للمحاكم الدولية لمقاضاة النظام". الآن أصبح النائب صبحي صالح من ناصحي النظام والحريصين عليه، وإن لم يمنعه هذا من استخدام عبارات مثل "ترتعد فرائصه وخلافه..؟!!. يا سلام! تحولت القضية الصحية إلي موضوع آخر تماما، هذه قضية مثارة وإجراءات تتخذ سواء في الولاياتالمتحدة، أو أوروبا، أو الهند والسند، أو حتي بلاد تركب الأفيال، إنما هو نمط تفكير يميل إلي اكتساب النقاط في جولة، أمام من يتصور أنهم خصوم مع استعداد كل طرف بالتضحية بالوطن، وبالقضية الأساسية التي تمس صحة كل مصري، المهم من وجهة نظر كل طرف أن يكسب نقطة في رحلة عدم قبول الآخر. هذان نموذجان واقعيان نعيشهما جميعا دون أن نتوقف لحظة أو نلتفت إلي تفاصيل ما يحدث ثم بعد ذلك نبدأ في التساؤل الساذج.. من أين يأتي التطرف؟!.