مثلها مثل كل المدن المفضلة لدي السياح تسعي العاصمة الفرنسية باريس إلي التخلص من كل ما يمكن أن يجعلها مكانا موحشا ومصابا بوباء الركود خلال العام الحالي ،2009 وتقول مجلة "تايم" الأمريكية إن ما تخشاه باريس حقا في المستقبل ليس هو نقص أعداد السياح فسوف تكون هناك دائما دورات ركود كما سيكون هناك أيضا علي الدوام سياح يزورون باريس لأنها مدينة متحف اللوفر وبرج إيفل والأطعمة اللذيذة. لقد ظل السياح يترددون علي باريس منذ قرون كما ظلت السياحة أهم صناعة يعتمد عليها الباريسيون البالغ تعدادهم عشرة ملايين نسمة. فالسياحة تولد لهم دخلا سنويا يناهز عشرة مليارات دولار ويعمل فيها زهاء 150 ألف شخص بنسبة 12% من إجمالي القوة العاملة في العاصمة الفرنسية. وقد كانت باريس ولا تزال تعتبر عاصمة السياحة العالمية حيث زارها في عام 2008 المنقضي نحو 35 مليون سائح وتأتي بعدها لندن في المرتبة الثانية من حيث عدد السياح في العام نفسه (15 مليون سائح) ثم هونج كونج (12 مليون سائح) وعلي خلاف غيرها من عواصم العالم فإن زوار باريس ينقسمون قسمة متوازنة بين الباحثين عن قضاء إجازة وبين رجال الأعمال وهذا جعل باريس تتفوق علي سنغافورة كأكبر مقصد تقليدي للزائرين علي ظهر الأرض. لقد أصبح السفر إلي باريس عملية ميسرة، ففي حين تكافح لندن لبناء مهبط ثالث للطائرات في مطار هيثرو بالغ الأزدحام تتمتع باريس بمطار شارل ديجول الذي يحتوي أربعة مهابط للطائرات والذي توسعت قدرته علي الاستيعاب في عام 2006 بنسبة 20% ولا يزال لديه متسع من الأرض لمزيد من التوسعات وهذا سيساعد باريس علي استيعاب الذيارة المتوقعة في حجم السياحة إليها والتي تتراوح بين 75-100% خلال السنوات العشرين القادمة. ويحاول عمدة باريس ومجلسها البلدي تدبر هذا الأمر خاصة وأن العاصمة الفرنسية سبق أن شعرت بأنها تحمل فوق طاقتها عندما زاد تدفق السياح اليابانيين عليها في الطائرات البوينج العملاقة 747 خلال ثمانينيات القرن الماضي واليوم توشك أن تتكرر هذه الظاهرة وإن كان التدفق السياحي قادما هذه المرة من الصين والهند وبأعداد مماثلة تقريبا. إن عاصمة الرومانسية في العالم تحاول ألا تختنق تحت وطأة هذا الحب المتدفق من جانب السياح. ويقول الخبراء إن عملية تعظيم قدرة باريس علي جذب السياح وتحملهم لابد أن تشمل انفتاح هذه المدينة الكبيرة علي الضواحي المحيطة بها. ويقول جين برنارد بروز نائب عمدة باريس للشئون السياحية إن انفتاح المدينة علي الضواحي في نظام إقليمي منسق صار أمرا ضروريا لمستقبل العاصمة الفرنسية ولصناعة السياحة فيها علي حد سواء. ويستوي أن تسميها عندئذ باريس الكبري أو باريس متربول وفيما يخص السياحة فإن هذا الانفتاح علي الضواحي قد بدأ بالفعل حيث يسافر السياح أو حتي يقيموا في مناطق الجذب المحيطة بالمدينة شرقا وغربا ولكن التخطيط يجري الآن ليشمل هذا الانفتاح كل الاتجاهات وكل الضواحي. وتؤكد مجلة "تايم" أن التوسع نحو الضواحي أمر لا مفر منه بالنسبة لباريس. فقلب المدينة العمراني لا تتجاوز مساحته 41 ميلا مربعا (105 كيلو مترات مربعة) صحيح أنه أكبر من مانهاتن (24 ميلا مربعا -62 كيلو مترا مربعا) ولكن مساحة نيويورك كلها شاسعة حيث تناهز 305 أميال مربعة (790 كيلو مترا مربعا) أما عن لندن فحدث ولا حرج فمساحة لندن الكبري نحو 610 أميال مربعة (1580 كيلو مترا مربعا) ناهيك بالطبع عن أن ناطحات السحاب في لندنونيويورك يمكنها استيعاب أعداد أكبر من السياح والسكان وهو أمر لا تستطيعه بنايات باريس ذات الطابع المعماري المختلف فالبنيات الباريسية ذات ارتفاعات محدودة وممنوع بقوة القانون تعليتها عن قدر محدد فضلا عن اعتبارها جزءا من ملامح باريس السياحية. ويقول بول رول المدير العام لمكتب باريس السياحي إن ضم الضواحي إلي المدينة سيتيح بناء ناطحات سحاب سواء للنشاط الفندقي أو للشركات التي تحتاج إلي مقار رئيسية مع الاحتفاظ في نفس الوقت بالطبيعة المميزة لبنايات باريس. وهكذا تستفيد المدينة كما يستفيد الإقليم المحيط بها كله مع مراعاة أن هذا يقتضي إقامة حياة متكاملة في تلك الضواحي حتي يمكن جذب السكان إليها ليجدوا كل شيء هناك من فرصة العمل إلي السكن والحياة الثقافية الثرية وغير ذلك من عوامل الجذب السكاني. ويقول هنريت زغبي أحد المسئولين المنتخبين في مجلس الإقليم المحيط بالعاصمة الفرنسية إن ضواحي باريس مليئة أيضا بالثروات السياحية التي تحتاج إلي أن يعاد اكتشافها حتي بعض الضواحي سيئة السمعة مثل ضاحية سانت دينيس التي تضم مقابر قدامي الحكام الفرنسيين من العصور الملكية والتي يقصدها بالفعل بعض السياح في الوقت الراهن. ولا شك أن توفير وسائل النقل والمواصلات بين باريس وضواحيها هو أحد عناصر خطة تطوير وتوسيع العاصمة الفرنسية بما في ذلك شق الطرق أو توسعة وتطوير ما هو قائم منها ومد خطوط المترو وهي عملية تتكلف عشرات المليارات من الدولارات ولكنها ستمكن باريس من الحصول علي شريحة أكبر من كعكة السياحة العالمية البالغ حجمها 900 مليار دولار سنويا. كذلك تتضمن خطة التطوير بناء 7500 غرفة فندقية جديدة بجانب 75 ألف غرفة فندقية أخري قائمة بالفعل ومد خط حديدي بين قلب باريس وحتي مطار شارل ديجول سينتهي العمل فيه عام 2013. وباختصار، يقول بروز إن التطوير يستهدف راحة سكان باريس أنفسهم إلي جانب تحسين قدرة المدينة علي جذب واستيعاب السياح، فالمدينة هي مدينة الباريسيين أما السياح فإنهم مجرد زوار وما لم تكن المدينة مريحة لسكانها فإنها لن تكون مريحة بالنسبة للسياح.