من امتع ما قرأت مؤخرا، كتاب للزميل حمدي عبد الرحيم بعنوان فيصل.. تحرير.. ايام الديسك والميكروباص. الكتاب فيه صورة سينمائية للصحافة والمجتمع، الثقافة كما هي علي حقيقتها، وليس كما يحلو لنا ان نصورها. مجتمع الميكروباص وسيلة النقل التي دخلت حياتنا علي استحياء ثم توغلت، وتشعبت، وسيطرت بعد ذلك علي الحياة في الطرق، والتعليم والثقافة والتعبير. حتي الجرائد لم تسلم من هذا الفيروس المتهور، والذي ثقب جسم الصحفيين الجدد، وطائفة من القدامي. علي حمدي عبد الرحيم، ضمن ما عمل، في الديسك بجريدتي "العالم اليوم" و"نهضة مصر" وفي عمله كان يقوم باعادة صياغة ما يكتبه المحررون. وفي عمله هذا اكتشف في كل الجرائد التي عمل بها، هذا الفيروس، الجهل، الاستعلاء والاستسهال. فالمحرر من هؤلاء لا يعرف كتابة جملة واحدة صحيحة؛ ولذلك يستسهل ويكتب ما يخطر علي باله، وحينما يواجهه احدهم "يبوق" فيه ويقول له بالفم المليان: اَه .. دانت مستقصدني بقي، و"هوب" علي النقابة؛ ليجد من يتعاطف مع الحالة بغض النظر عن الصواب والخطأ، ويمكن يكون فيها اعتصام، او علم وميكروفون علي سلم النقابة. نفس الامر في مجتمع الميكروباص، كما يقول عبد الرحيم، بمجرد اعلانه بيان الدولة الاول دولة الميكروباص بقواعدها جهل واستسهال وبلطجة، بدأت دولة الميكروباص في التمرد والانتشار. كان الامر بداية علي استحياء في ميدان التحرير العظيم اكبر ميادين مصر، وكانت جمهورية النقل العام بأتوبيساتها الحمراء المهيبة هي المسيطرة. جملة بين قوسين، أذكر ايام الجامعة كنت اتعامل بفخر مع اتوبيس 500 من ميدان النزهه الي ميدان التحرير، قبل ان تموت تلك الاتوبيسات كما الافيال واقفة. وصل الامر، كما يقول الزميل عبد الرحيم في كتابه، ان يكون هناك اعلان رسمي عن تحويل حديقة اثرية بحلوان، لاحظ كلمتي حديقة واثرية، الي موقف الميكروباص. لقد قضي القادم الجديد بثقافته ومجتمعه، علي الاخضر واليابس، الاخضر والحديقة، والاثار، والجمال، والنظافة، وكل هذه الامور ليست من شيم القادمين الجدد. الميكروباص، هو رسول العشوائية الي الحضر، واذا كانت العشوائية قد انتشرت وتوغلت، فقد ارسلت بمبعوثيها الي كل الحواضر تهددهم وتنظرهم بانتهاء عهودهم، تطلب منهم الاستسلام فورا. علي قدر بساطة الحكاية كما جاءت في الكتاب، وعلي قدر عفويتها - إلا انك لا تملك إلا ان تنتابك الدهشه بذلك الاكتشاف لما يحيط بنا. نحن في خطر حقيقي، وهو ليس اكتشافا ولا يحزنون، هذا واقع اغبر، والاغبر هو الشيء الذي لا لون له، مثل كل العشوائيات، علينا ان نتعامل معه وان نقرر: هل نريد ان نستسلم له ام نريد مقاومته؟ لقد مر وقت طويل جدا علي مستوي الفعل الجرائد، والتعليم والشباب، اي المستقبل، وعلي مستوي الشارع أي الواقع، ومجتمع الميكروباص، يتسلل إلينا ويحتل مسامنا مثل الغبار الدقيق لا تلحظه، ولكنك تكتشف فجأة أنه يسكنك. هل نستسلم.. وساعتها لا يعلم أحدا ماذا سيكون عليه الوضع فسيكون الأمر أشبه بأي موقف ميكروباص علي مستوي مصر كلها لا نظام، ضجيج وأصوات عالية ذات جرس غريب.. عتبة.. عتبة.. عتباااه. حتي طريقة نطق الألفاظ، وتشديد حروف، ودغم بعضها، وتخفيف البعض الآخر، انتقلت إلي الأذن المصرية، وتبناها بعض المطربين، آسف لاطلاق هذا الوصف، وبعض الإعلاميين كتابة ونطقا علي أمل أن تكون أقرب إلي آذان المستمعين الجدد. طبيعي أو أملي كذلك أن يكون البعرور مطربا، وأن نغني للحمار بحب، ونحن نؤدي حركات سوقية ممجوجة، بأشكال مجتمع الميكروباص. هل نستسلم.. وساعتها يجب أن نري ماذا نفعل بالمصيبة التي لدينا، والمصيبة هنا هي أشياء مثل المتحف المصري، والآثار الفرعونية السخيفة التي لا معني لها، فلا هي تغني، ولا تقول بابا وماما.. "علشان العيال تنبسط". وقد تقام لجنة من كبار قادة الميكروباص، وعمد العشوائيات ومنشئيها، ومثقفي البعارير والحمير، للنظر في أمر تأجير المتحف المصري مفروشا، وتحويله إلي فندق نجمة أو نجمتين وكفاية، ومحاولة الاستفادة من أحجار الهرم في شيء مفيد يمكن نعمل بها غرزة كبيرة أثرية نجمع بها السياح القادمين، من الخلفاوي، والشيخ رضوان، وكل الأخوة من فيصل إلي التحرير وبالعكس.