انتهي العيد وعطلته الطويلة جدا ونحن نعشق العطلات والاجازات في مصر، ولا تماثل في طول مدتها إلا في بعض بلدان الخليج، وكثيرا ما أشعر بالخجل والاستحياء مع أصدقائي الأجانب والعرب الذين يستغربون من عدد العطلات ومددها لدينا.. فالمفروض في بلد في طريق النمو أن يكون العمل ديدنه وأن تكون الاجازات قصيرة ولكن يبدو أن العملية برمتها "محصلة بعضها"، فنحن لا نعمل أصلا في أيام العمل الرسمية فما بالنا بأيام الإجازات. وهناك العديد من الطرائف والغرائب في أيام العيد، فقد اشتكت صديقة من ان الجزار سرق "كتفا" من خروف الأضحية، وانها عندما اكتشفت الأمر سارعت بالذهاب إلي قسم الشرطة وتحرير محضر.. وما كان من الجزار إلا أن أعاد إليها "الكتف".. لكن اتضح انه "كتف"خروف آخر "غير بلدي".. وتبريره لهذه السرقة الواضحة أنه أخذ نصيبه من اللحم مقابل عمله، لكنه أنكر أنه تقاضي أجراً لذبحه الخروف! واشتكي صديق آخر من أن الجزار أخذ كل "العروق" من العجل الذي ذبحه، وأنه لم ينتبه إلا عندما عاد باللحم إلي البيت وكشفت زوجته السرقة.. وطبعا المرأة هي التي تهتم عادة بالتفاصيل وهي الأكثر قدرة علي معرفة قطع الخروف الناقصة. أما أغرب شكوي حكتها لي قريبتي، فهي عن الجزار الذي ذبح خرفان الحي بأكلمه باحدي المدن الجديدة، وأخذ مالذ وطاب من كل خروف، وبرضا أصحابها، ثم وقف علي ناصية حي مجاور وبجانب محطة ميكروباص وباع كل اللحم الذي جمعه من العائلات. أما "عم عيد" الجزار الذي ذبح خروفي فإنه رفض أن يأخذ أي قطعة علي الاطلاق، رغم الحاحي والحاح زوجي، فعادة أكون سعيدة وراضية إذا "ذاق" الجزار من لحم خروف العيد، ولكنه تشبث بالرفض وقال بكل كبرياء وترفع إنه كره "اللحمة" من كثرة ما يذبحها ويأكلها. وهكذا فإنه مثلما شملت السلوكيات الخاطئة فئة الجزارين، نجد لكل قاعدة استثناء، وعم عيد هو الاستثناء الجميل. ولكن الملاحظة الأجمل في عيد الأضحي هذا العام. ان عمل المجتمع المدني كان الأكثر وضوحاً من سنوات ماضية وتمكنوا كجمعيات، وأفراد من توزيع أضاحي العيد، واللحم علي الفقراء وغير القادرين. ولو عمل المجتمع المدني بنفس هذه الروح الطيبة في جميع المشاكل المستفحلة لتم حل العديد منها. فالحكومة أصبحت عاجزة عن التصدي بمفردها للعديد من القضايا والمشكلات. وهناك من الأفراد المقتدرين الصالحين الذين يودون عمل الخير، لكن بشرط التأكد من ان زكاة المال والصدقة والمساعدات التي يتبرعون بها تصل إلي أصحابها الحقيقيين المستهدفين. ولهم كل الحق في ذلك خاصة إذا كان الفساد قد وصل لبعض النفوس المريضة من العاملين في الجمعيات الأهلية. ولو تحقق نظام رقابي صارم لكانت الاستفادة أعم علي الفئات المستحقة. وعندما أتابع المجهودات الكبيرة التي بذلها شباب متحمسون لخدمة المجتمع خلال عيد الأضحي أشعر بأن مصر بخير، و"لن يبيت فيها جائع أو عريان أو مريض". ان الحماس اللامحدود والضمير المتيقظ لدي فئة تزداد اتساعا في مصر تحتاج إلي أن تصبح حركة اجتماعية كبيرة ناهضة ينخرط فيها المزيد من الشركات الصناعية الكبري، خاصة إن لدينا نحو عشرين شركة مصرية فقط أعلنت في إطار مسئوليتها الإجتماعية عن برامج تنموية لمناطق محرومة، وهذا رقم ضعيف أعلن عنه تقرير التنمية الأخير الصادر عن الأممالمتحدة وهناك ضرورة أن يتضاعف هذا العدد عدة مرات حتي تؤتي هذه الجهود ثمارها. ومن الغريب أن نستورد مفهوم المسئولية الاجتماعية الذي تتبناه الشركات الصناعية العالمية الكبري، في حين أننا بلد يحتل فيه الدين الإسلامي والمسيحي حيزا كاملاً في عقيدة الأفراد، والأولي أن الدافع الديني يكون المحرك للجهود الإنسانية الخيرية. ورغم أني أتحدث كثيرا عن "سواد" الواقع وقتامة الصورة إلا أنني أشعر أن الأمل موجود وبقوة في تغيير الصورة والواقع والمؤشرات السابقة الدليل علي الحركة الإيجابية واتساع دائرة الوعي بين الأفراد والشركات والجمعيات علي تقديم العون للمجتمع كجزء أصيل من عملية التنمية، التي ستعود ثمارها عليهم حتي قبل الفقراء والمحرومين، فعندما تتحسن ظروف المجتمع سيسعد الفرد فيه أكثر فأكثر، وسيزول الحقد الطبقي، والتناحر الاجتماعي، وسيتوفر الأمان والطمأنينة في المجتمع لكل أفراده، أغنيائه قبل فقرائه. أن سوء الأخلاق، والانحراف، بالسرقة والاغتصاب والعنف ستقل جدا إذا ساعد الغني الفقير، بدءا من توفير فرص عمل وصولاً إلي تحقيق حياة كريمة آدمية. وبهذا فقط يمكن أن ننام مطمئنين، ونسير في الشارع بأمان! ** انتحار حجاج انتحر 3 حجاج خلال أدائهم للحج هذا العام.. هذا خبر غير عادي.. وربما يحدث ذلك للمرة الأولي، ولحد معلوماتي لم يسجل انتحار حجاج في المملكة العربية السعودية من قبل. وقد أقدم علي الانتحار حاج جزائري وآخر كويتي وحاجة من تركمنستان.. وقال أهاليهم أنهم يعانون من مرض نفسي.. فهناك أمراض نفسية تدفع صاحبها إلي التفكير في الانتحار والإقدام عليه، لكن الأمر غير العادي هو أن يرتكب ذلك في رحاب بيت الله، وفي أجواء دينية شديدة الخصوصية، كان يمكن أن تلعب دوراً مهما وعلاجيا في الراحة والاستقرار النفسي لكن المرض كان أقوي علي هؤلاء الحجاج الثلاثة من الحالة الروحانية الجميلة التي يعيشها أي حاج، وتغلب عليهم الاكتئاب، وندعو لهم بالمغفرة والرحمة.. والله رحمته ومغفرته واسعة. ** انتفاضة السفن وصل عدد السفن التي تكسر الحصار وتحمل علي متنها متضامنين مع قطاع غزة أربع سفن، وجميعها تقدم كميات من المؤونة للغذاء والدواء.. هذه السفن لا تتعاطف مع حركة حماس، بل مع الشعب الفلسطيني! يأتي ذلك في ظل أن العديد من الدول العربية ترفض تقديم المساعدات لأهالي غزة، لأن ذلك يصب في رأيها لصالح حركة حماس التي تسيطر علي القطاع. ولابد للعقلاء في الأنظمة العربية أن يتنبهوا للفصل بين الموقف السياسي لحماس وبين حاجة الفلسطينيين الملحة في قطاع غزة إلي جميع الاحتياجات في ظل الحصار والتجويع. السلطة الفلسطينية ستخسر سياسيا كثيراً من جراء موقفها خلال هذه الأزمة.. انتظروا الشهور القادمة لتشاهدوا ذلك علي أرض الواقع.