يكتب من مسقط: تعيش سلطنة عمان هذه الأيام فرحة استثنائية بمناسبة ذكري 18 نوفمبر، اليوم الاستثنائي في تاريخ عمان الحديث في اليوم الذي حول أحداث التاريخ الكبري إلي صالح الحضارة العمانية بكل ما تحمله من عراقة، والتي كانت قد فقدت شيئا من بريقها قبيل عام 1970. وإذا كان السلطان قابوس قد رسم ملامح مشرقة تسير عليها خطط التنمية منذ الساعات الأولي للنهضة فإن الشعب العماني استطاع وبكل ما تحمله الشخصية العمانية من إمكانات تراكمت عبر الأزمنة ليؤكد علي مدي التلاحم الإنساني في بناء حضارة بلد ضاربة في جذور التاريخ. والمتتبع لمسيرة النهضة العمانية خلال 38 عاما الماضية يدرك أنها تسير وفق خطط استراتيجية محكمة اتخذت من الإنسان العماني أداة للتنمية وغاية في الوقت نفسه. وهذه المعادلة حققت الكثير من التوازن، فالتنمية في مختلف المجالات هدفها الإنسان في الوقت الذي يقوم الإنسان العماني بنفسه في صنعه. ولاشك أن هذه المعادلة احتاجت إلي حكمة مستنيرة حتي تستطيع صهر الجميع في بوتقة الوطن الذي يحتوي أبناءه جميعا بنفس الدفء وبتساو في الحقوق والواجبات. وإذا كانت التحديات كبيرة في بداية عصر النهضة فإن الإخلاص والأمانة كانا أكبر الأمر الذي معه تذللت كل الصعاب. ولم تقتصر تنمية الإنسان العماني علي جانب دون سواه بل سعت إلي بناء شخصية متكاملة للإنسان العماني قادرة علي مواجهة جميع المتغيرات التي تعصف بالعالم بثقة قوية بعيدا عن أي فجوة تظهر نتيجة تغيير العالم لجلده يوما بعد آخر. وإذا كانت السلطنة قد حققت كل تلك الإنجازات الحضارية كان لابد أن يساير ذلك توافق أمني يحافظ علي مسيرة النهضة.. وقد نجحت السلطنة بامتياز في ذلك وأوجدت استقرارا أمنيا قل نظيره في الوقت الذي يشهد فيه العالم الكثير من القلاقل التي من شأنها أن توقف عمليات التنمية الإنسانية في العالم. وكان السلطان قابوس قد أكد في خطابه عام 1994 أن التربة العمانية تربة صالحة ونقية لا تنبت إلا طيبا. وعلي مدي السنوات التالية تأكد العالم أن التربة العمانية تربة نقية علي الدوام وأن المعدن العماني لا يمكن إلا أن يكون معدنا نقيا خالصا، لا هم له إلا البناء في الداخل وفي الخارج. وهذا المبدأ عكس سياسة السلطنة أو ربما انطلقت سياسة السلطنة منه. وفي هذا السياق جاءت الكلمة التي ألقاها السلطان قابوس في افتتاح مجلس عمان علي جوانب مهمة تبرز معالم المسيرة النهضوية المعاصرة وأدواتها وعوامل نجاحها وأيضا ما يجب اتباعه من توجيهات صادرة من السلطان نفسه.. فقد قدر الدور الذي تضطلع به المؤسسات الحكومية ابتداء بالاهتمام بالموارد البشرية والحرص علي تحفيز القدرات الإبداعية للإنسان العماني الذي هو أساس التنمية وغايتها وذلك من أجل صقلها وتدريبها وتهيئة فرص الترقي العلمي وكسب المعرفة والخبرة والمهارة الفنية لكل مواطن بحيث يكون مستعدا للوفاء بحاجات سوق العمل المحلي في إطار الخطط الهادفة إلي تحقيق تنمية مستدامة وتحقيق النقلة النوعية المنشودة لاقتصاد البلاد، ودعا في أكثر من مناسبة إلي تعزيز الأداء الحكومي وتيسير الخدمات للمواطنين باستثمار إمكانيات التقنية الرقمية والارتقاء بالسلطنة إلي آفاق المعارف الحديثة المتجددة. كما أكد السلطان علي الحرص دائما علي وضع المصلحة العامة للوطن فوق كل اعتبار وفي نفس الوقت تعزيز روح المسئولية لدي القائمين علي مهامهم في القطاع الحكومي، وتنحية المصالح الشخصية جانبا حتي لا يقع المسئول في المحظور أو تشوب أداءه شائبة من تقاعس أو انتقاص. فتفعيل آليات الرقابة والمتابعة تقتضي أن يثاب المحسن علي ما أحسن ويجازي المسيء تلقاء ما أساء. وبفضل هذه السياسة الحكيمة تمكنت عمان من تحقيق الإنجازات التي استلفتت انتباه البشرية كلها. كل ذلك يمضي في إطار سياج من تحقيق العدالة وبسط الأمن والبحث عن أفضل الوسائل للتغلب علي المشكلات التي أشار إليها في كلمته مثل تحقيق الأمن الغذائي وحماية اقتصادنا من تأثيرات الأزمة المالية العالمية وتداعياتها. وعلي الصعيد الخارجي أشار السلطان إلي تداخل المصالح والسياسات في العالم ولكن تظل عملية التواصل مع العالم المحيط بعمان نابعة من احترام المصالح العليا للسلطنة وفي نفس الوقت الإسهام في أمن واستقرار العالم لتنال السلطنة احترام وتقدير المجتمع الدولي فالتطور التكنولوجي وثورة الاتصالات وتقارب المسافات عبر وسائل المواصلات السريعة قارب بين أرجاء المعمورة وجعل العالم يشبه القرية الكونية الصغيرة، السبق فيها للسياسات الرشيدة ومراعاة ميزان الحقوق والواجبات بدقة وشفافية. فالمستهدف في الأساس هو بناء مستقبل عمان وتحت راية هذا الهدف ينبغي علي كل مواطن أن يقوم بدوره في الحدود الموضوعة له حسب قدر المسئولية الملقاة علي عاتقه. وقد اثبتت الظروف المحيطة بالسلطنة وخاصة فيما يتعلق بالأزمة المالية العالمية الراهنة أن لدي عمان من العقول الناضجة والنظريات الاقتصادية الفعالة ما يمكن عمان من تجنب الآثار المدمرة لهذه الموجة العالمية من الانهيارات المالية لكن الأمر لا يعدم أن يكون للحالة أثرها النفسي علي المستثمرين في الداخل والخارج، ومن ثم وجب علي كل مواطن التحلي بروح المسئولية والتماسك أمام مثل هذه الظواهر حتي يتوافر سياج من الحماية للأدوات المالية والمصرفية وكذلك توافر الاستمرارية للمشروعات الاستثمارية الطموحة. إن كلمة السلطان قابوس في مجلس عمان كانت بمثابة إشارة بدء جديدة نحو بذل مزيد من الجهد والعطاء من أجل عمان ولخير شعبها الوفي بصفته مصدر الموارد البشرية الضرورية لاستمرار مسيرة النهضة والذي يقف إلي جانبه راعي البلاد في كل مناسبة.. إنه نموذج للحسم والحزم الذي يجب أن يتحلي به رب كل أسرة فما بالنا بأسرة هي دولة؟