شكل الفوز الساحق للرئيس الأمريكي ال44 باراك اوباما -رغم توقعي- مفاجأة بكل المقاييس للكثيرين. وأتت المفاجأة في فارق الفوز عن منافسة الجمهوري "جون ماكين" وهي نسبة لم تحدث من قبل في تاريخ الانتخابات الأمريكية. والسؤال الذي يدور في الأذهان: ماذا يعني هذا الفوز الساحق؟! ماذا يعني فوز شاب في الاربعينييات من عمره، من أصول افريقية، لا يوجد قبر واحد لأي جد من اجداده علي الأراضي الأمريكية. بالطبع هناك من تعاطف -في منطقتنا- مع اوباما لأسباب خاصة بنا وليست موضوعية وهناك من تصور ان وجود اوباما يعني بالضرورة تفهما أكبر لقضايانا وعدالتها سواء بالنسبة لفلسطين أو العراق، لكن الوضع ليس كذلك. المواطن الأمريكي يهتم بالعراق لأسباب أمريكية محضة، يهتم بالجنود وبالانفاق العسكري وما يمثله من عبء علي دافع الضرائب الأمريكي ولذلك فإن موضوع العراق احتل 11% من اهتمامات الناخب الأمريكي. أما القضية الفلسطينية فالوعي بها وبتفاصيلها يكاد يكون غائباً عن ذهن المواطن العادي الأمريكي ولا يعنيه في شيء إلا بالقدر الذي يمسه ويمس حياته مباشرة. لكن الأهمية الحقيقية فيما حدث تكمن في الرغبة العارمة للتغيير لدي المواطن الأمريكي، تغيير في السن، قدره أكبر علي التسامح مع عامل العنصرية.. أمريكا تعيد التمسك بالحلم المثالي مرة أخري، أرض المهاجرين التي تعطي الفرصة لمن يستطيع ان يحققها، تعطي الفرصة لمن يعمل، ويدرس ويحصل علي درجة علمية عالية -تصل إلي حد الدكتوراة- في هارفارد التي تعد أفضل جامعة في العالم علي الإطلاق وهكذا كان اوباما. استطاع الشاب الأسمر ان يطلق الحلم لدي جماعات وقطاعات عريضة كانت تنظر الي وضعها باعتبارها اقليات مهمشة وهكذا كان ينظر إليها اخرون. والحلم كالعدوي، ينتقل بين الناس، يشعل فيهم جذوة الحماس والرغبة للعمل من أجل التغيير. سيدة مسنة علي فراش المرض تجاوزت التسعين من عمرها رأت في باراك اوباما الحلم الذي تتمسك به حتي آخر نفس. وحتي آخر نفس قررت ان تدلي بصوتها في الانتخابات، وصوتها "فسيلة" ارادت ان تزرعها حتي لو كان آخر ما تفعله في حياتها. من هنا يأتي الدرس ونستفيد من التجربة، متي يمكن ان نطلق الحلم المصري الذي يتبناه الناس، ويتمسكون به ويعملون من أجله. متي يمكن أن ينتقل ذلك الاحساس للشباب الفاقد أغلبه الأمل والعجائز الذين يظنون ان الحياة قد ضاقت بهم بما رحبت. متي يمكن ان نكون أكثر تسامحا، أكثر قدرة علي قبول الآخر، ان نتغلب علي نوازعنا الشخصية الضيقة، التي علمتنا تجارب التاريخ كلها انها لن تؤتي ثمارها إلا غضبياً وناراً تحرق الأخضر واليابس. متي يمكن ان نستمع إلي من يقول -كما قال اوباما في خطابه الأول- انني ساستمع إليكم دوما خاصة عندما يكون هناك خلاف، وكان لسان حاله يقول ويكمل، فالخلاف لا يفسد للود قضية. والعبارة الأخيرة نرددها دائما ولا نعمل بها أبدا، فالخلاف دوما يفسد الود، ويتحول الي قطيعة، والقطيعة إلي عداء، والعداء لا يجلب سوي المعارك المدمرة. إذا كان الحلم الامريكي بيتاً أكبر، وسيارة أكبر، ووظيفة أكبر، فالحلم المصري لابد وأن يكون أيضا، فيكون هناك بيت لمن يسكن في خيام الايواء ووسيلة مواصلات محترمة لمن لا يملك سيارة، ووظيفة تهب كل مجتهد قدره علي تحقيق حلمه الخاص. ولابد أن يكون معلوما ان المواطن الأمريكي يعمل وبكل ما أوتي من قوة، لم اسمع عن كافيه أمريكي يظل مفتوحا حتي مطلع الفجر يتوافد عليه الشباب والفتيات يمتصون انفاس الشيشة وكأنهم علي اجهزة التنفس الصناعي. الحلم لن يتحقق إلا بالعمل والعمل الجاد فقط، الحلم لن يتحقق إلا بالقضاء علي الفساد وتحقيق الشفافية، والعدالة، والمساواة والحرية. تابع الكثيرون واصل السباق الأمريكي للوصول الي البيت الأبيض، ولهث بعضهم علي الولايات المتأرجحة، اوهايو، وبنسلفانيا، وسعدنا كلنا بالنهاية. وفجأة خرجنا جميعا من ذلك الفيلم الأمريكي الذي تابعناه علي الشاشات كما لو كنا في قاعة سينما انتهي فيها العرض، وحادثنا بعضنا البعض ونحن نسير في الشوارع المزدحمة ونسهر حتي الصباح مع التليفزيون، والكافيه ونشكو من ضائقة الحال، وقلة الفرص ونسينا ان في استطاعتنا بل واجبنا ان يكون لدينا حلم.. الحلم المصري الذي يجب ان نعمل جميعا من أجله.