قناة السويس مهددة بالإغلاق.. هذه النتيجة الخطيرة توصل إليها تحليل اقتصادي صادر في لندن حذر من مشكلة كارثية تهدد مصر في مصدر رئيسي لايراداتها من العملة الصعبة حيث كشف عن احتمالات انتهاء دور قناة السويس بسبب انتشار القرصنة. صحيفة "الجارديان" نشرت تحقيقا بقلم جوليان بورجر بعنوان "ارتفاع كبير في القرصنة قد يؤدي إلي إغلاق قناة السويس".. واعتمد في ذلك علي تقرير صدر هذا الأسبوع عن مركز دراسات وأبحاث يدعي "شاثام هاوس" متخصص في السياسة الخارجية، يحذر من أن زيادة أعمال القرصنة التي تجري في خليج عدن قد تؤدي إلي كارثة إنسانية وبيئية في منطقة القرن الافريقي، وإلي توقف مسار الرحلات التجارية العالمية عبر قناة السويس. ويطالب التقرير بضرورة وجود قوة بحرية دولية في المنطقة بمشاركة أوروبية بارزة، للتصدي لعمليات القرصنة التي تنطلق من الصومال. وفي غياب حكومة قوية في الصومال يقترح التقرير تشكيل قوة من حراس السواحل تقوم بحراسة السواحل الصومالية نيابة عن حكومة الصومال، تحت اشراف الأممالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وقد صدر تقرير شاثام هاوس بعد ان قام قراصنة بالاستيلاء علي سفينة أوكرانية كانت محملة بالدبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، وما اعقب ذلك من تحرك قوات بحرية امريكية لمحاولة استعادة السفينة دون نجاح يذكر حتي الآن حيث يطالب القراصنة بفدية تبلغ 20 مليون دولار مقابل اطلاق السفينة وطاقمها المكون من 21 شخصا. وقد تكررت عمليات القرصنة والاختطاف وآخرها السفينة المصرية.. وقد وقعت 60 عملية قرصنة في المنطقة انطلاقا من الساحل الصومالي هذا العام وهي اكثر من ضعف عددها العام الماضي. وتبحر حوالي 16 ألف سفينة عبر خليج عدن سنويا. ومازالت 12 سفينة و259 فردا من أطقمها محتجزين لدي قراصنة يطالبون بدفع فدية مالية عالية مقابل اطلاق سراحهم. وقد دفعت شركات ملاحة نحو 30 مليون دولار فدية منذبداية 2007، وكان من تبعات هذا الوضع أن قيمة التأمين علي السفن التي تعبر خليج عدن زادت قيمة التأمين علي العبور بنسبة كبيرة. ومع زيادة المخاطر وارتفاع التكاليف قد ينتهي الأمر بأن تفضل شركات الملاحة الانصراف عن خليج عدن وقناة السويس، والاتجاه نحو رأس الرجاء الصالح. هذا الخطر الداهم هل فكرت فيه الحكومة المصرية؟ هل تتخذ هيئة قناة السويس تدابير بشانه؟ هل تفكر في خفض رسوم العبور بشكل محفز للسفن حتي لا تغير مسارها؟ ثم إن الخطر الجديد الناتج عن تباطؤ الاقتصاد العالمي تأثرا بالأزمة المالية سيضاف إلي اخطار القرصنة التي تواجهها قناة السويس . والغريب أن كل التقارير الاقتصادية في العالم تري أن الانكماش سيحد من حركة التجارة العالمية وحركة الملاحة والسفن، لكن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أحمد فاضل له رأي آخر فقد خرج بتصريح مؤخرا يؤكد أن عائدات القناة لن تتأثر بالأزمة العالمية وطبعا يحتمل أن يغير رأيه إذا صدرت توجيهات له من الرئيس والحكومة باتخاذ تدابير قبل أن يصيب الزكام السفن وإيراداتنا البالغة 5.133 مليار دولار أي نحو 28.1 مليار جنيه! وأضع أمام فاضل هذا التقرير البريطاني الذي حذر أيضا من سيناريو في منتهي الخطورة: "أن يحدث تفاهم بين القراصنة وجماعات إرهابية يمكن أن يؤدي إلي إغراق سفينة في مدخل قناة السويس "! وأذكره بمعلومة أخري لا أشك في أنه علي علم بها، وهي أن الحماية البحرية الكندية ستنتهي مهمتها في أواخر شهر اكتوبر.. دون أن يتم تحديد من سيخلفها.. إن خطر التباطؤ وخطر القرصنة يحتاجان إلي تدابير عاجلة لإنقاذ قناة السويس ومثلما تحرك البنك المركزي ووزارات المالية والصناعة والتجارة والاستثمار فننتظر إسعافا طائرا يلحق هيئة قناة السويس إلي مربع تدارس الأزمة المالية. وعندما أتامل ما يحدث في الأزمة المالية العالمية اتذكر تلك المقولة التي كان يذكرها اساتذة الاقتصاد ونستمع إليها في فصول الدراسة بشيء من الفكاهة والسخرية وهي انه "إذا عطست أمريكا أصيب باقي دول العالم بالزكام" وهي تتضح جلية الآن فقد قيلت ابان أزمة العشرينيات وهكذا علمونا ولكني اشاهدها حية اليوم ، فالانهيارات المالية التي اصابت الاستثمار العقاري الامريكي تحولت إلي لعبة "دومينو" كل لاعبيها خاسرون بل إن الضحايا من المواطنين العاديين لم ينهاروا لوحدهم هذه المرة بل قد يكون سبقهم "الحيتان" الكبار غير أن الأزمة أيضا "جرت رِجل" الدول، كل الدول الرأسمالية تقريبا وبلا استثناء، فجميعها أصيبت بحمي انهيار سوق العقارات الامريكية والتسونامي الذي اصاب الاقتصاد العالمي كان بلا حدود. وقد ضرب التسونامي المالي الأمريكيين فأصبحت المحلات خالية مما زاد الازمة تعقيدا في رأسمالية تقوم دورتها الاقتصادية علي حمي الاستهلاك وعادت أشباح أزمة 1929 بثقلها علي صدور الأمريكيين. وضربت العدوي عمالقة المال والاعمال وارتعدت فرائص الرأسماليات الاوروبية والعملاق الياباني القديم.. والدب الروسي، تلك الانظمة التي تفاخرت لأكثر من عقدين بنجاحاتها وليس بعيدا عنها عملاق المستقبل الصين، ليتأكد مرة أخري أن "العطسة" في وول ستريت والزكام في كافة انحاء العالم، وقائمة الساقطين ستكون طويلة وكل يوم يضاف إليها اقتصاد ينهار بل اننا إزاء إفلاس دول وايسلندا أول نموذج لافلاس الدول في هذا التسونامي وبالطبع فإن عطسة الفيل لا يمكن ان تكون مثل عطسة الفار أو النملة، فالزكام الذي يصيبنا كدول نامية سيستغرق اصلاحه سنوات اطول مما قد تستغرقه الاقتصادات الغربية، ولم يعجبني اطلاق مسئولينا في مصر للتصريحات تلو التصريحات في بداية الأزمة باننا في منأي عنها . لقد كان تعاطينا مع الازمة كالعادة بطيئا وبدانا بالتصريحات الوردية وولا ادري لماذا تتعامل الحكومة بنفس التراخي ولا تتحرك إلا لما يصدر الرئيس مبارك توجيهاته، رغم ان الزكام في هذه المرة وعلي عكس مرات كثيرة سابقة ليس بذنب من الحكومة لكنه اذا تمادي، يتحول الي التهاب رئوي مزمن وسيكون حينئذ بذنبها. نتمني ان نستفيق قبل دخول المريض غرفة الانعاش، وقبل ان تدخل الدورة الاقتصادية في مرحلةالاختناق لانه لن تكفي انذاك بالونة الاكسيجين.. وامامنا اسواق رئيسة في الاتحاد الاوروبي (شركاء مصر رقم واحد) والولاياتالمتحدةالامريكية نحتاج للتدبر في كيفية تعويض ايرادتنا من الصادرات إليهم التي ستتأثر بالتباطؤ والانكماش في الطلب لديهم. لابد أن نتخذ اجراءات سريعة لالغاء رسم الصادر وإلغاء فتح الاعتماد المستندي بنسبة 100% ولابد من اعادة النظر في سعر الطاقة علي الصناعة. فصادراتنا تحتاج الي عناية ولابد من تحفيز السياحة لأن السائح الاجنبي سيتراجع اقباله علي السفر في ظل الازمة الاقتصادية ولابد ان تعيد مصر تقييم اسعار البيع لوكلاء السياحة ولا تترك الامر فقط للقطاع الخاص.. لابد من حزمة سياسات تتبعها الحكومة المصرية للفكاك من تداعيات الازمة المالية والأخذ بعين الاعتبار الفقراء الذين هم دائما اول الضحايا في الأزمات وأي حزم اصلاحية . فالفقراء ازدادوا فقرا في امريكا وخارج امريكا والاغنياء ازدادوا غني في امريكا وخارج امريكا. والفقراء في مصر ايضا ازدادوا فقرا وها نحن علي اعتاب كساد جديد سيترك أثره محفوراً علي جلود الفقراء في العديد من بلدان العالم مما قد ينذر باضطرابات وتقلبات اجتماعية في انحاء شتي من العالم ويزيد مستنقعات تترعرع فيها كل انواع باكتيريات التطرف والارهاب لتمارس العنف تعبيرا عن أمراض الظلم والقهر. أراها لحظة فاصلة في تاريخ الانسانية جمعاء قد تكون وقفة لمراجعة الخيارات التي تمجد الرأسمالية المتوحشة، الرأسمالية الفاقدة لكل حس إنساني رأسمالية ترفض التضامن وتمجد الجشع. حان الوقت لمراجعة الخيارات كل الخيارات وقد يبدأ التغيير، والمفارقة أن يأتي هذه المرة من النيوليبراليين الذين ظلوا لسنوات طويلة ينظرون لريادة القطاع الخاص ويرفضون تدخل الحكومات في الاقتصاد. وقد بدأت بالفعل ملامح تلك المراجعات ومحاكمة النموذج الرأسمالي الديمقراطي الأمريكي في الولاياتالمتحدة نفسها. ولهذا مقال آخر.