تحاول فرنسا من خلال الجولة التي قام بها وزير خارجيتها برنار كوشنير إلي اسرائيل والاراضي المحتلة ان يكون لها دور فاعل في عملية السلام التي باتت مغيبة كثيرا عن الساحة السياسية الدولية في الآونة الاخيرة خاصة بعد فشل مؤتمر انابوليس الذي ولد ليموت حيا. والمعروف عن فرنسا مآزرتها الدائمة للفلسطينيين خاصة في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، وربما بعدما تسلم الرئيس ساركوزي الحكم اراد ان يكون لبلاده دور رائد في العملية السليمة وان كان برؤية مختلفة عن نظيره السابق نظرا لاختلاف السياسة المتبعة من كلا الطرفين وفي زيارة كوشنير للمنطقة كان هدفه واضحا ومحددا وهو ايصال رسالة تبين حرص بلاده علي مواصلة المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين حتي تشهد عملية السلام تقدما ملموسا في الأشهر المقبلة كما ان هذه الزيارة ستشكل فرصة لتقويم كيف يمكن للاتحاد الاوروبي بالاشتراك مع الولاياتالمتحدة ان يساعدا الطرفين علي التقدم، فضلا عن ارادة فرنسا لمتابعة نتائج مؤتمر باريس للدول المانحة الذي تلقت السلطة الفلسطينية علي اثره اكثر من 1.4 بليون دولار لمساندة الموازنة المباشرة. الجهود الحيثية التي تبذلها فرنسا تأتي من منطلق حرصها علي ان يكون لها دور فعال في المنطقة، خاصة بعد الضغوط التي تمارسها الولاياتالمتحدةالامريكية علي الطرفيين الاسرائيلي والفلسطيني لحملها علي القبول علي بتوقيع بيان أو وثيقة قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش تتضمن "الإنجازات" التي تم تحقيقها في مفاوضات السلام التي اطلقت منذ مؤتمر انابوليس العام الماضي. وإذا كانت باريس تعي جيدا حرج الموقف الحالي بسبب الوضع السياسي في اسرائيل والانتخابات الامريكية، فانها لا تنتظر الكثير من الزيارة التي قام بها كوشنير، وتعتبرها تشاورية، ورغم ذلك فهي لا تجد بديلا عن عملية السلام، وتشدد علي الحاجة لتوفير ديناميكية جديدة لها وفي المقابل تريد فرنسا عبر كوشنير ان تطلب مرة اخري من اسرائيل تخفيف القيود التي تفرضها اسرائيل علي التنقل في الضفة الغربية وتسهيل الحياة علي الفلسطينيين، ذلك من جهة، ومن جهة اخري تذكير اسرائيل بضرورة وضع حد للتوسع الاستيطاني. ان باريس التي ترأس الاتحاد الاوروبي حتي نهاية العام الجاري لا تريد الانتظار لا هي ولا الاتحاد الاوروبي اسابيع واشهرا حتي تستأنف الدبلوماسية الامريكية نشاطها إذ انها تتمسك بتفادي "مرحلة فراغ" دبلوماسي قد تكون إحدي نتائجه تراخي أو اجهاض جهود السلام، وهي بذلك تريد ان تبقي محادثات السلام علي قيد الحياة ناهيك عن المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل وعندما يحين الوقت مع لبنان. ان كوشنير الذي يحمل معه اقتراحا باسم الاوروبيين بأن يتم نشر قوة رقابة أو قوة سلام اوروبية ليس فقط علي الحدود بين الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية، ولكن ايضا داخل المدن والاراضي الفلسطينية، أراد من خلال ذلك طمأنة الاسرائيليين إلي أمنهم، والفلسطينيين حول مستقبل دولتهم إذ تري فرنسا انه إذا كانت اسرائيل تقبل سحب بعض مستوطنيها من الضفة الغربية فانها تجد صعوبة في سحب قواتها لانها لا تثق بقدرة الفلسطينيين علي الحفاظ علي الامن لذا فان اقتراح نشر قوة اوروبية من شأنه ان يساعد المفاوضين من الطرفين علي التغلب علي العقبة الامنية، خاصة ان هناك مقترحات فرنسية اوروبية لتسهيل التفاوض بشأن القدس التي تري انها بوصفها تهم الديانات الثلاثة فان اشكاليتها تتجاوز الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، ولكن باريس حريصة علي عدم اعطاء انطباع بانها تتدخل في المفاوضات أو انها تعمل من وراء ظهر الامريكيين. ورغم ذلك فان زيارة كوشنير هذه تأتي في اطار جهد فرنسي يهدف إلي تعبئة الفراغ الناشئ عن غياب الدور الامريكي في هذه المرحلة الي تشهد فيها الولاياتالمتحدة سباقا انتخابيا نحو البيت الابيض، كما تأتي عشية بدء تغيير في المشهد السياسي في اسرائيل بسبب استقالة رئيس الحكومة ايهود اولمرت وتكليف تسيبي ليفني بتشكيل الحكومة الجديدة. وبلاشك فان باريس تخشي ان يدفع تغير الادارة الامريكية وتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة والانشغالات التي تصب نحو ايران إلي نسيان عملية السلام في المنطقة، لذا فهي حريصة علي مواصلة واستمرار المفاوضات الحالية من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة باعتبارها الضمانة الاساسية لأمن دولة اسرائيل، ويأتي ذلك اثر محاولة وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بتوقيع وثيقة تثبت مكتسبات المفاوضات حتي الآن، والتي تظهر فيها واشنطن صاحبة الفضل التي لعبت دورا وساعدت علي تحقيق نتائج. ويبدو ان باريس تتحرك في هذا الاتجاه العملي بعد قناعتها بأن الضغط علي اسرائيل لم يعد ينفع بل المفيد هو البحث عن كيفية تقوية المفاوضات وانجاحها.