تهميش واستبعاد من المظهر والصورة.. وتهميش واستبعاد من الجوهر والمصاحبة.. صورة انطلاق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. وما صاحبها من مظاهر احتفالية كبيرة فى واشنطن.. وجوهر رعاية ومصاحبة هذه المفاوضات. التى تظل حكراً على الراعى الأمريكى وحده دون سواه، فلا يكاد يمر يوم أو مناسبة إلا ويعلن فيها مسئول كبير الرئيس ساركوزي نفسه أو برنار كوشنير وزير خارجيته أو المتحدث باسم الخارجية عن أهمية وضرورة اشراك أوروبا في هذه العملية ففرنسا تطالب ولها كل الحق في ذلك بوجود أكبر للرباعية الدولية وللاتحاد الاوروبي في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتعتبر أن هذا الوجود يتيح تعزيز فرص وإمكانات النجاح لهذه المفاوضات, والواقع أن الفرنسيين ومعهم الأوروبيون يشعرون بالاستياء وبالمرارة لنسيانهم أو لتناسيهم في احتفالية إطلاق المفاوضات المباشرة التي جرت في واشنطن وهم الذين بذلوا ويبذلون الجهد الأكبر في تحسين أوضاع الفلسطينيين وحياتهم ولو جزئيا ودفعوا حتي الآن قرابة5,6 مليار دولار منذ بداية2008 لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية؟!.. هذا في الوقت الذي يهوي فيه الرئيس الفرنسي أن يسعي فيه جاهدا للعب دور فرنسي وأوروبي في هذه العملية حتي وإن كانت حتي الآن شكلية؟!. أليست فرنسا هي التي دعت عقب أنابوليس إلي مؤتمر باريس للمانحين للدولة الفلسطينية في17 ديسمبر2007 وهو المؤتمر الذي حقق بالفعل إنجازا علي طريق بناء مؤسسات الدولة من خلال الإعلان عن مبالغ دعم بلغت7,6 مليار دولار وفاق ما كانت تطالب به السلطة الفلسطينية وخطة سلام فياض للسنوات الثلاث التالية؟ أليس ساركوزي هو الذي يتحرك بنشاط حيث قام بزيارات مكوكية وقت الحرب الإسرائيلية المدمرة علي غزة في ديسمبر2008 واستطاع تحقيق وقف إطلاق النار وإصدار قرار من مجلس الأمن في هذا الشأن؟!.. أليست فرنسا هي التي استطاعت في أبريل1996 التوصل إلي تفاهم نيسان بين إسرائيل ولبنان وسوريا في ذلك الوقت. أليست فرنسا هي التي كانت في طليعة المتحركين أولا للاعتراف بشرعية عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية ثم بعد ذلك في طليعة الداعين ومعها أوروبا إلي ضرورة قيام دولة فلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل.. ألا يحق لها بعد ذلك كله وغيره من التحركات أن تشعر بالاستياء والمرارة لهذا الاستبعاد؟! المتحدث باسم الخارجية صرح بأنه لايمكن القول بأن فرنسا مستبعدة من هذه المفاوضات إن فرنسا معبأة بالكامل في البحث عن السلام في الشرق الأوسط.. والوزير برنار كوشنير أعرب عن الأمل في أن يكون الاتحاد الأوروبي مشتركا بشكل أكبر في عملية المفاوضات المباشرة التي تم إطلاقها وأن يكون لأوروبا دور سياسي أكبر في العملية.. وكتب إلي ليدي كاترين آشتون( وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي) في هذا الصدد. بيان قادة أوروبا يؤكد أولا ترحيبه بإطلاق المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ويشيد بجهود الإسرائيليين والفلسطينيينوالولاياتالمتحدة والرباعية الدولية والشركاء العرب في هذا المجال.. ويؤكد القادة أن هذه المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي يجب أن تؤدي إلي حل الدولتين, دولة إسرائيل ودولة فلسطين المستقلة الديمقراطية والمتواصلة والقادرة علي الحياة جنبا إلي جنب في سلام وأمن. يؤكد بيان القادة أن الاتحاد الأوروبي هو المانح الأول للفلسطينيين وهو شريك سياسي واقتصادي حيوي للطرفين ولجيرانهما, وفي هذا الصدد فإنه يؤكد أن الاتحاد الأوروبي سيظل ملتزما ومشتركا بنشاط بما في ذلك من خلال الرباعية من أجل مساندة المفاوضات وضمان نجاحها ويدعو الاتحاد الممثلة العليا( كاترين أشتون) إلي مواصلة إشراك الاتحاد الأوروبي بالكامل في الجهود الجارية, هكذا رغبة صريحة أكيدة واضحة لا لبس فيها ولا غبار عليها. ثم يضيف البيان أن الاتحاد يؤكد حاجة الرباعية إلي الاستمرار في لعب دور أساسي في عملية السلام, هذه هي الرغبة الأوروبية والرغبة الفرنسية. فالاستمرار في تجاهل أوروبا وفرنسا أمر في غير صالح العملية وفي غير صالح السلام. الزعماء الأوروبيون بدأوا يشعرون بالحرج أمام شعوبهم ودافعي الضرائب لديهم الذين يمولون عمليات بناء وإعادة إعمار من أجل عملية يستبعدهم الآخرون منها, والرئيس ساركوزي بدأ يضيق ذرعا بهذا التجاهل وهو المبادر والمتحرك والمفكر في طرق مختلفة لمساندة العملية ودعمها.. مؤتمر جديد للمانحين أعلن عنه أمام سفراء فرنسا في الخارج لينعقد في يناير القادم. ومؤتمر دولي يعلن عنه منذ أوائل2009 في شرم الشيخ ثم يجري تعديله بمشاركة من مصر ليكون قمة دولية بمناسبة القمة الثانية للاتحاد من أجل المتوسط والمرتقبة في برشلونة في21 نوفمبر القادم وتجمع الفاعلين الأساسيين في عملية السلام في الشرق الأوسط بمن فيهم الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي, لكن مع نفاد صبره وكثرة تجاهله بدأ يفكر في الرد وما إذا كان يلغي فكرة عقد مؤتمر باريس الجديد للمانحين للدولة الفلسطينية؟! وإن كانت المسألة ليست بهذه السهولة فالنرويجيون جاهزون للتحرك فورا والأخذ بزمام المبادرة التي أخذتها فرنسا, صحيح أن الرئيس أوباما استشعر ذلك وأراد تدارك الموقف فأجري محادثة هاتفية مطولة مع ساركوزي عقب احتفالية واشنطن أطلعه خلالها علي ما دار ولكن هل هذا يكفي؟! وماذا بعد؟!. الرئيس مبارك بحسه السياسي والدبلوماسي والدولي وقناعته بأن القضية أصعب وأعقد من أن تنفرد بها قوة دولية واحدة حتي ولو كانت القوة العظمي, الرئيس مبارك استشعر الموقف وبادر بالتحرك فبادر بالتوقف في باريس وهو في طريقه إلي واشنطن لحضور احتفالية إطلاق المفاوضات المباشرة, وليؤكد للرئيس ساركوزي أنه معه ويحصل منه أيضا علي دعم لجهوده. ومن باريس.. أعلن الرئيس مبارك في المؤتمر الصحفي المشترك مع ساركوزي: أن الإدارة الأمريكية وحدها تحتاج إلي مساندة من الاتحاد الأوروبي.. لأن المشكلة صعبة ومعقدة وعويصة. والادارة الامريكية تطلق العملية وتحتاج لمساندة قوية من الاتحاد الأوروبي لكي تستمر عملية السلام. رسالة الرئيس واضحة.. فالقضية التي تدوم منذ أكثر من60 عاما تحتاج إلي تضافر جهود المجتمع الدولي كله, لا أن تنفرد بها قوة بمفردها, خاصة والكل يشهد أن المسألة تراوح مكانها ولا تتقدم إطلاقا. وقد نشهد غدا أو بعد غد توقفها وانفجارها مرة أخري. الرئيس ساركوزي أمن علي رأي الرئيس مبارك وأكد أن دور الولاياتالمتحدة مهم جدا.. ولكنه لا يمكن أن يكون الدور الوحيد من ناحية أخري لإقناع أصدقائنا خاصة أصدقاءنا الإسرائيليين يجب أن يتكلم الجميع وأن يدفع الجميع في نفس الاتجاه ولهذا السبب فإننا نعمل يدا بيد مصر وفرنسا. ومن هنا أيضا كانت حكمة الرئيس مبارك ومبادرته الأخيرة بزيارة ألمانيا وإيطاليا ليقول لقادتهما إننا معكم.. ونريدكم معنا.. نريدكم معنا ليس كأطراف أو كصناديق دافعة لأموال البناء وإعادة الإعمار حتي وإن كان هذا هاما ومطلوبا, ولكن نريدكم معنا كقوي دولية سياسية لها أهميتها ولها مكانتها ولابد وأن يكون لها تأثيرها علي مسار العملية وعلي أطرافها خاصة الطرف الإسرائيلي الذي صار الجميع معه حتي الراعي الأمريكي ذاته والذي قد ينسف العملية بأسرع مما يصور الجميع وحتي قبل أن تبدأ المفاوضات حول جوهر السلام وعصبه من الحدود إلي القدس, واللاجئين والمستوطنات, وذلك إذا ما اتخذ القرار بهدم المعبد ونسف العملية باستئناف الاستيطان؟!