يوماً تلو الآخر تتفاقم أزمة الولاياتالمتحدةالامريكية في منطقة الشرق الأوسط. فها هي عزلتها تزداد أكثر فأكثر عن إدارة الأزمة الراهنة في لبنان. أما في العراق فيهدد تدهور الوضع الأمني المتسارع بانهيار الحكومة الوطنية وفقدانها القدرة علي إدارة البلاد. وبينما تتصاعد موجة الفوضي والعنف والهجمات المضادة في أفغانستان، يتواصل تحدي طهران السافر للجهود الامريكية والأوروبية المبذولة للجم جموحها النووي. وفي الوقت الحالي، فإنه ليس في وسع واشنطن فعل شيء يذكر من أجل إنقاذ الوضع في العراق، ولا لتوفير المزيد من الاستقرار في أفغانستان. بيد أنه وفيما يتعلق بالنزاع العربي- الإسرائيلي وكذلك الأزمة النووية الإيرانية، فإنه لا يزال في مقدورها تغيير الصورة الراهنة وإعادة ترتيب أوراق اللعبة الشرق أوسطية، إذا ما تجاسرت في استخدام دبلوماسيتها علي النحو الناجع المطلوب. غير أن خطوة كهذه تتطلب في المقام الأول، إجراء تعديل جوهري علي السياسات الامريكية المتبعة حالياً، لكونها تطالبها بإبداء رغبتها في التعامل المباشر مع كل من "حزب الله" وحركة "حماس" وسوريا وإيران. وتقوم هذه الاستراتيجية علي الإقرار باستحالة إبرام سلام إسرائيلي فلسطيني لبناني، ما لم تشرك سوريا في مفاوضات صفقة سلام كهذه، يتوقع لها أن تشمل لاحقاً التفاوض مع دمشق حول مصير الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان. كما تتطلب الاستراتيجية نفسها معاملة واشنطن للرئيس السوري بشار الأسد، باعتباره لاعباً أساسياً في المنطقة، بدلاً من إقصائه وتهميشه حالياً. وربما تضمن اعتبار جديد كهذا، قبول المزاعم السورية النافية لوجود يد لها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وفي المقابل فإنه ينبغي علي دمشق الموافقة علي مطالبتها بعدم إعادة تسليح "حزب الله"، وبالكف عن تحالفها الوثيق مع النظام الإيراني، إضافة إلي رفع مستوي تعاونها مع الولاياتالمتحدةالامريكية في تأمين ثغراتها الحدودية مع العراق. كما تتطلب الاستراتيجية الشرق أوسطية الجديدة، قبول واشنطن بحقيقة أن "حزب الله" وحركة "حماس" يمثلان كيانين سياسيين يحظيان بدعم شعبي كبير في كل من لبنان وفلسطين، بل وفي الشارع العربي عموماً، علي رغم إدراج واشنطن اسميهما ضمن قائمتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية. ويتضمن هذا الاعتراف وضع اعتبار للدور السياسي لهاتين المنظمتين في أي مفاوضات سلمية لاحقة، حتي في حال تفكيك الميليشيات والأجنحة العسكرية التابعة لهما. أما فيما يتعلق بإيران، فإن علي واشنطن أن تقر باستحالة تهميش أو إهانة هذه الدولة الفارسية، بالنظر إلي موقعها الجغرافي وكثافتها السكانية وما تتمتع به من موارد طاقة هائلة. وقد آن لواشنطن أن تتعامل معها علي أنها لاعب إقليمي استراتيجي. وعلي الدبلوماسية الامريكية أن تركز جهودها علي إقناع إيران بالكف عن معارضتها لمشروع التسوية السلمية العربية- الإسرائيلية، وكذلك الكف عن تسليح التنظيمات والميليشيات الإرهابية، مضافاً إليه ضرورة إقناعها بتجميد برامجها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وفي المقابل فلا مناص من طمأنة إيران علي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها حالياً، وكذلك الاعتراف بمشروعية وجودها كدولة إسلامية. فهل في وسع إدارة بوش قبول تحول جوهري كهذا في سياساتها. فالواضح أنه تعين عليها هجر سنوات من الخطابية النارية والوعيد والتهديد. وبالنظر إلي خيارات الفوضي والعنف الرائجة الآن في المنطقة، فإنه لن يتوقع لهذه السياسات أن تجدي نفعاً، بل المرجح لها أن تنثر المزيد من السموم وتخلق بيئة أكثر عداءً لامريكا والامريكيين في الشرق الأوسط. ثم إن استراتيجية التشدد هذه لم تجد فتيلاً في وقف استمرار دوامة الإرهاب والعنف، ولا وقف تدهور الوضع الأمني المحيط بإسرائيل، كما لم تفد في وقف التشويه الذي لحق بصورة امريكا وسمعتها ودورها، في واحدة من أهم مناطق العالم قاطبة. أما علي الصعيد الدولي، فكم عدد الحلفاء الملتفين حول الرئيس بوش، إذا ما استثنينا حليفه البريطاني توني بلير؟ والشاهد أن كلاً من روسيا والصين وإلي جانبهما عدد من الدول الأوروبية، تبدي ارتياحاً لتفاقم مأزق القوة العظمي الوحيدة في عالم اليوم، في منطقة الشرق الأوسط. وما أشبه شماتة هذه الدول اليوم، بتلك التي طالت بريطانيا في محاولتها وضع حد لحرب البوير التي نشبت في بدايات القرن العشرين في جنوب إفريقيا.