كشف تقرير سري أمريكي أن محافظة الأنبار بغرب بغداد خرجت عن نطاق سيطرة قوات التحالف في ظل تصاعد هجمات "الجماعات المسلحة"، محذرًا من أن تدهور الأوضاع الأمنية بهذه المحافظة التي تُعَدّ معقل "المسلحين"، يدعو إلى التشاؤم. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الصادر أمس الاثنين أن تقريرًا سريًّا أعده الكولونيل بيتي ديفلين، قائد استخبارات قوات مشاة البحرية الأمريكية بالعراق (المارينز)، يفيد بأنه "ليس هناك شيء تستطيع القوات الأمريكية فعله لتحسين الوضع السياسي والاجتماعي في هذا الإقليم غير المستقر".
وقال مسئولون أمريكيون مطلعون على مضمون التقرير: إن هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها ضابط أمريكي رفيع المستوى تقييمًا بهذا القدر من التشاؤم والإحباط.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسئول عسكري أمريكي، رفض الكشف عن اسمه، قوله: "إن التقرير توصل إلى نتيجة مفادها أن الولاياتالمتحدة فقدت الأنبار".
كما نقلت عن مسئول آخر قوله: "إن التقرير يصف الأنبار بأنها محافظة على درجة من التردي بحيث لا يمكن إصلاحها".
وتعليقًا على هذا التقرير، قال ضابط بالجيش الأمريكي، رفض ذكر اسمه لحساسية القضية: "نحن لم نهزم عسكريًّا في الأنبار، ولكننا هزمنا سياسيًّا".
وفي هذا السياق ذكر مسئول عسكري اطلع على التقرير أن الكولونيل ديفلين أوضح في تقييمه أن غياب مؤسسات حكومية عراقية فاعلة في الأنبار ترك فراغًا سياسيًّا كبيرًا ملأته "الجماعات المسلحة"، ومن ثَم صارت هي القوة السياسية الأبرز والأكثر هيمنة على الأنبار.
ويقول الكولونيل ديفلين: إن المشكلة لا تتعلق فقط بالتحديات العسكرية التي تواجهها قوات التحالف في ظل تصاعد عمليات "الجماعات المسلحة"، ولكنها أيضًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بانهيار الإدارة المحلية لمحافظة الأنبار، وبضعف الحكومة المركزية التي ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع.
ويرجع الكولونيل ديفلين التدهور الأمني الخطير في الأنبار إلى سلسلة من العوامل أبرزها عدم توافر عدد كاف من القوات الأمريكية والعراقية، وهي من المشكلات الكبيرة التي تعانيها الولاياتالمتحدة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين قبل أكثر من 3 سنوات، بحسب مسئولين اطلعوا على التقرير السري.
ولفتت "واشنطن بوست" إلى أن الكولونيل ديفلين انتهى من كتابة هذا التقرير "الأكثر تشاؤمًا" في 16 أغسطس الماضي من منطلق تطورات الأحداث في العراق، ثم أرسله إلى واشنطن، حيث تمت مناقشته في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وداخل دوائر الأمن القومي الأمريكي.
وذهبت الصحيفة الأمريكية إلى أن النتائج التي توصل إليها الكولونيل ديفلين تكتسب أهمية خاصة؛ لأنها تتناقض مع المواقف المعلنة للمسئولين العسكريين الأمريكيين الذين ظلوا يرددون تصريحات حول حدوث تقدم ملموس في الأوضاع الأمنية، بالرغم من المقاومة الشرسة التي يواجهونها منذ غزو العراق.
ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم إصدار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" أصدرت تقارير سلبية على مدى السنوات الماضية، إلا أن مسئولي المخابرات حرصوا على أن يكون أكثر تفاؤلاً، سواء في بياناتهم الموجهة للرأي العام أو لغة التقارير التي يقدمونها.
وقالت: إن ما يضفي مصداقية على تقرير الكولونيل ديفلين أنه يخدم في العراق منذ فبراير الماضي، وبالتالي فهو مُلِمّ ومعايش لما يحدث على أرض الواقع، فضلاً عن أنه يتمتع بسمعة كبيرة مهنيًّا وأخلاقيًّا.
وفي محاولة للتقليل من أهمية التقرير، قال مسئول في البنتاجون: "إن هذه نتيجة واحدة في منطقة واحدة. إن النتيجة التي تم التوصل إليها في الأنبار لا تترجم كنسق في البلاد برمتها".
وعلى صعيد آخر قالت "واشنطن بوست": إن هذا التقرير يأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، مع بدء العد التنازلي لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل والتي ينظر إليها كثير من المحللين السياسيين باعتبارها استفتاء على أسلوب تعامل بوش مع الأزمة العراقية.
ويأتي التقرير بعد أسابيع قليلة من شهادة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، جون أبو زيد، أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ الأمريكي والتي أقر فيها بخطورة الوضع الأمني في العراق، قائلاً: "من المحتمل انزلاق العراق إلى حرب أهلية".