نحن "صحفيون" ولسنا "قضاة"، وليست مهمتنا إصدار "أحكام" علي خلق الله، بل واجبنا هو محاولة تحري الحقيقة من مختلف جوانبها ولدي شتي أطرافها عن طريق تسليط الضوء علي "الرأي" و"الرأي الآخر"، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة تجنب عدم الخلط بين "الخبر" و"الرأي" وتجنب عدم الخلط بين "التحرير" و"الإعلان"، وغير ذلك من أصول مهنة الصحافة. وتحت سقف هذه "الينبغيات" نتلقي نحن الصحفيين شكاوي القراء وننشرها بهدف وضعها أمام نظر الرأي العام من ناحية، وحث الجهات المسئولة علي إبداء الرأي فيها، وإعطاء حق الرد للجميع ، دون انحياز لطرف ضد طرف آخر. وهذا ليس مجرد موقف نظري، وإنما هو أيضا الموقف العملي الذي نحاول تطبيقه بنزاهة وإنصاف. وهذا هو بالضبط ما حدث عندما أرسل لنا الدكتور حمدي عبدالعظيم رسالة يشكو فيها من رفض وزير التنمية الإدارية، الدكتور أحمد درويش، تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بعودته إلي رئاسة أكاديمية السادات للعلوم الإدارية. وقد حرصنا علي نشر رسالة الدكتور حمدي عبدالعظيم بالنص. وكان طبيعيا أن ننشر رد الدكتور أحمد درويش عليها عملا بحق الرد الذي يكفله له الدستور، وتقضي به التقاليد الصحفية المحترمة. وكان طبيعيا كذلك أن نحيي الوزير علي اهتمامه بالرد علي ما نشرناه، خاصة أن كثيرا من الجهات والشخصيات وبخاصة الرسمية منها أصبحت تتجاهل الشكاوي والانتقادات الموجهة لها، وكأنها تقول لمن ينتقدها "إضرب رأسك في الحائط" أو "اشرب من البحر المالح". وليس معني نشرنا رأي الوزير، وإشادتنا باحترامه للصحافة واهتمامه بالرد علي نقد موجه له، أننا "ننحاز" إلي جانب صاحب الرد. وهو ما استنتجه الدكتور حمدي عبدالعظيم رغم اعترافه بعدم قراءة ما كتبناه حيث أكد في رسالته الثانية التي سننشرها لاحقا عملا بحق التعقيب أنه لم ينجح "في الحصول علي نسخة من العدد المنشور به رد الوزير" وتعليقنا عليه. ومع ذلك فإنه استطرد قائلا: "أفادني من قرأوا تعليق سيادتكم بانحيازكم إلي جانب الوزير والقناعة الكاملة بما جاء في رده لدرجة كتابتهم بعض عبارات الثناء والمديح للوزير". وكنت أتمني علي الدكتور حمدي عبدالعظيم ألا يتسرع بالكتابة استنادا إلي "عنعنات"، وأن يتيقن أولا مما كتبت. ولو أنه كلف نفسه عناء الاتصال تليفونيا لوفرت له نسخة من العدد المطلوب من الجريدة. كما كنت أتمني عليه ألا يتسرع بإصدار اتهامات بالانحياز إلي وجهة نظر الوزير، ولعله لا يعلم أن صاحب هذا القلم ليس من بين هواياته نفاق المسئولين علي جميع المستويات، وأنه لا يتردد عن توجيه النقد إلي أكبر رأس في الحكومة عندما تتوافر لديه مسوغات ذلك. كما أن صاحب هذا القلم ليس من بين هواياته "كيل عبارات الثناء والمديح" للوزراء، كما أنه ليس من بين هواياته "التهجم عليهم" أو "سبهم وقذفهم" بمناسبة أو دون مناسبة، بل إنه يحتفظ ل بمهمة أكثر سموا من "المديح" و"الهجاء" هي مهمة البحث عن الحقيقة. وليس شكر الوزير علي اهتمامه بالرد علي انتقادات موجهة له بصرف النظر عن الرأي في محتوي هذا الرد تجاوزا لهذه المهمة أو لأصول المهنة. ورغم استيائي من هذا الغمز وذلك اللمز الذي ورد في الرسالة الثانية للدكتور حمدي عبدالعظيم فإن هذا لا يمنعني من إفساح المجال أمامه للتعقيب علي رد وزير التنمية الإدارية. الذي أصر علي شكره لاهتمامه بالرد علي رسالة الدكتور عبدالعظيم الأولي وتحيته علي أسلوبه المهذب، دون أن اعتبر ذلك انحيازا لرأيه بأي صورة من الصور. وهذه هي رسالة الدكتور حمدي عبدالعظيم بنصها الكامل: السيد الأستاذ الفاضل الكاتب الكبير/ سعد هجرس رئيس تحرير جريدة "العالم اليوم" تحية طيبة وبعد، خالص الشكر والتقدير لكم علي ما كتبتموه في عمودكم بجريدة "العالم اليوم" حول رسالتي إليكم بشأن رفض وزير التنمية الإدارية تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 41214 لسنة 59ق بعودتي إلي رئاسة أكاديمية السادات للعلوم الإدارية. وقد علمت من بعض تلامذتي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المختلفة أن الوزير أرسل لسيادتكم ردا خلال فترة وجودي خارج البلاد وللأسف لم أطلع عليه كما لم أنجح في الحصول علي نسخة من العدد المنشور فيه رد الوزير وتعليق سيادتكم عليه. حيث أفادني من قرأوا تعليق سيادتكم بانحيازكم إلي جانب الوزير والقناعة الكاملة بما جاء في رده لدرجة كتابتكم بعض مبارات الثناء والمديح للوزير وما يفيد أن سماعكم للرأي الآخر قد أوضح براءة الوزير من اتهامه بعدم تنفيذ حكم القضاء المصري العادل والنزيه.