كنز المستقبل: الثقة بالنفس -منير عامر دائماً أستمع إلي شكاوي الآباء من الأبناء وأنا أضحك، متذكرا ما كانت تقوله أمي عندما تشكوني إلي واحد من الكبار الذين أحترمهم، وكان أكثر من احترم هو الأستاذ الدكتور سعد جلال أستاذ علم النفس، وهو من كان يضحك لوالدتي محترما إصرارها علي أن أكون مطيعا وأسمع كلامها وأقبل التعيين الذي جاءت لي به في جريدة التعاون بمبلغ يفوق خيال أي صحفي مبتدئ وهو ستون جنيها في الشهر، وقد جاءت والدتي لي بهذا التعيين لسبب بسيط للغاية وهو أن الدكتور حسن مرعي رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات بنك مصر، والشقيق الأكبر للمهندس سيد مرعي، كان حسن مرعي زميل دراسة لوالدي. وأزعجه كثيرا أن أعمل تحت التمرين بروزاليوسف أي ألا أحصل علي دخل ثابت.. ولم أنزعج أنا، لأن ثقتي في إحسان عبد القدوس صاحب روزاليوسف في تلك الأيام وفتحي غانم رئيس تحرير صباح الخير، كانت ثقتي في الاثنين بلا حدود، ورأيت أنه من الأفضل تشرب المهنة من اثنين من الثوار في دنيا الصحافة والأدب، بدلا من أن أتلقي المهنة من التلمذة علي يد الكاتب الكبير محمد صبيح، فقد كان الرجل منتميا للحزب السعدي، ولما كان الحزب يتمتع برئاسة إبراهيم باشا عبد الهادي أول من اكتشف مهمة للعسكري الأسود وهو الاعتداء علي المساجين السياسيين، ولما كنت قد رأيت في طفولتي كيف قام البوليس السياسي بضرب أبناء الجيران الذين في مثل عمري، بأوامر من إبراهيم باشا عبد الهادي، لذلك رفضت تماما هذا التعيين في دار التعاون للصحافة والنشر، واستمرت حياتي في مؤسسة روزاليوسف. كان د. سعد جلال معي في أن التعيين في الصحافة بالواسطة هو نهاية للكاتب قبل أن يبدأ الطريق. وعلي الرغم من متاعب الجوع والفاقة مع احترام الكرامة، علي الرغم من كل ذلك فإن رحلتي مع صباح الخير انتصرت. ورأت أمي أني حين رفضت الطريق السهل للحياة كنت أصر علي أن أفتح مستقبلي بنفسي وكان ذلك نابعا من الثقة بالنفس، وكانت الثقة بالنفس هي الجائزة اليومية التي يقدمها المجتمع لأبنائه، فلم أكن مختلفا أو متفوقا علي أقراني، فقط كنت واحدا من الذين يشربون من نهر الثقة التي يقدمها لنا المجتمع، لأنه يحتاجنا كما نحتاجه، ولم تكن هناك حالة من "المن" التي أغرقتنا فيها الحكومات من بعد ذلك، ولم يكن حتي جمال عبد الناصر يتحدث إلينا إلا بالتواضع. ولم يكن هناك شيء آخر يمكن أن يرتقي بالشاب في حياته اليومية سوي ثقته بنفسه وقدرته علي العمل دون ألاعيب خلفية. ومازلت أذكر قول د. سعد جلال لوالدتي: أيتها السيدة الفاضلة، إن أردنا السلامة لأبنائنا دعينا نعلمهم مواجهة أخطار الحياة وأن نسلحهم بالثقة ويرفضوا الحياة الجاهزة. تلك القاعدة في التربية والتي صارت الآن صعبة، بل ومستحيلة في زماننا، ولكنها مازالت صالحة للاستعمال، فالثقة بالنفس هي البوابة الملكية لتحمل المسئولية، فهل نفطن إلي أهمية ذلك في كل أمور حياتنا؟