رسوم - ماهر دانيال - كاريكاتير خضر الصداقة.. الصراحة.. الحوار.. كانت هي الروشتة التي وصفها لنا آباء وأبناء لفض حالة الاشتباك التي ناقشناها تحت عنوان «خلفونا وبيخنقونا » و« أولادنا جنوننا » وهي بالإجماع ما يجعل العلاقة « سمن علي عسل » بين الأبناء والآباء. « أبي هو أعز أصدقائي » هكذا بدأ أحمد مصطفي -24 سنة - كلامه ويقول : منذ صغري أري في أبي قدوتي وأؤمن بأفكاره صحيح عندما كبرت قليلا أصبح بيننا كثير من الاختلافات والمناقشات، ولكن أبي دائما يحاورني ليقنعني برأيه، وإذا لم أقتنع، فهو يتركني لأجرب بنفسي ودائما شعاره « يا أقنعك يا.. تقنعني » وأكمل : «حدث بيننا اختلاف بعد حصولي علي الثانوية العامة فهو كان يتمني أن أكون طبيبا وأنا كنت أريد أن أكون مهندسا لذا أقنعته بأني أريد دخول قسم الرياضة وليس قسم العلمي لأني أحبه، وإن لم أحقق نجاحا في العلمي فسيكون هو السبب لذا تركني أفعل ما أقتنع به، ولم أحصل علي مجموع هندسة ، ولكني كنت سعيدا بأن أبي ترك لي حرية الاختيار ودخلت كلية التجارة، ولكن الأهم هو هذه العلاقة القائمة علي الحوار بيني وبينه».. - أمي صديقتي بسنت طالبة بكلية الهندسة تقول : « أمي بالفعل صديقتي وليس مجرد كلام فأنا أحكي لها علي كل شيء ولا يوجد ما يجعلنا تختلف إلا أشياء بسيطة وأنا في الآخر أسمع كلامها لأني أثق في رأيها فهي غاية في الأناقة والذوق وكل من يراها يعتقد أنها أختي الكبيرة، وليست أمي، وهي صديقة لكل صديقاتي وزميلاتي لأنها تعيش بروح الشباب ولا تعيش في دور الأم وكل حاجة.. « لأ» لأني أسمع من بعض صديقاتي أن أمهاتهن يستمتعن بفرض آرائهن علي بناتهن وأبنائهن وعندهن جمود في التفكير.. كما أن أمي تثق في جدا، وفي آرائي واختياراتي وتعطيني مساحة من الحرية، لأنها تعلم أني لن أفعل ما سيجعلها تندم علي إعطائي هذه الحرية». - نقطة الالتقاء أما « داليا منتصر » فتري أن هناك فجوة بين عقول الكبار والصغار بسبب طريقة التفكير، فكثير ممن حولها من الآباء يرون أن الفيس بوك مثلا يضيع الوقت والصحة و أنه إحدي الوسائل الإباحية. أما زملائي فيرون أنه وسيلة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم، وهذه الفجوة تختفي تماما كما حدث معي بالتواصل والحوار مع أهلي لرؤية وجهة نظري فيتعرفون علي الإيجابيات التي أراها في الفيس بوك. وتوافقها الرأي « راجية الألفي » وتضيف : « عند مقارنة أهلي لإيجابيات وسلبيات الإنترنت وصلت لهما الصورة الصحيحة، واستطاعا الحكم علي الموضوع بما يناسبنا جميعا، واختفت جمل أسمعها من آباء آخرين : « إيه القرف ده». فالتواصل مع والدي واستماعي لنقضهم البناء هو ما أوصلنا لنقطة التقاء بين آرائنا» وتقول مها كمال بكلية الألسن : «أحمد ربنا أني لا أمر بالخناقات التي أسمع عنها بين الأولاد وآبائهن، فأبي إنسان مثقف ومطلع يشاركنا اهتماماتنا، فبالرغم من أنه أستاذ في الجامعة إلا أنه يأتي معنا للنادي ويتعرف علي أصدقائي، وكذلك أمي فهي تشاركني الكثير من خروجاتي للتسوق، ونأخذ رأي بعضنا وأنا لا أجد مشكلة عندما تطلب مني أمي أن تري ما أتصفحه علي الإنترنت أو أن يصمم أبي علي عدم وضع الكمبيوتر في غرفتي حتي لو كان أبي وأمي يحاولان مراقبتي، وليس ضرر هذه الأجهزة هو السبب الحقيقي لوضعها في غرفة المعيشة فأنا أري أن هذا حقهما لخوفهما علي ، وعندما أصبح أما في ظل ما أراه من زميلاتي والأشياء الغريبة التي يقدم عليها الكثير من الشباب الآن سأفعل مثل والدي ويمكن أكثر. - تعلمت الدرس أما كريم محمود فهو طالب يقول: « كنت دائما أنفذ أوامر والدي اتقاء لغضبه وكنت في معظم الأحيان أفعل ما أريده دون أن أظهر له ذلك ودون أن أجادله، وكان له رأي في أحد أصدقائي في المرحلة الثانوية، وكان يريدني أن أقطع علاقتي به ولا يبدي لي الأسباب، واكتشفت بعد ذلك أن صديقي هذا به كل العبر فعندما دخلت الكلية وجدته « ندل » بمعني الكلمة و«كذاب » في كثير من المواقف، وأصبح غيورا لدرجة كبيرة بعد أن فشل في المرحلة الثانوية فاقتنعت برأي أبي، خاصة أنه ارتبط بالفتاة التي كنت أحبها وتركتني هي الأخري دون مقدمات.. وعلي فكرة أبي وأمي كانا أيضا معترضين علي تلك الفتاة وعلي سلوكها وكنت لا أصدقهما. ولكن بعد ذلك « بصمت » بالعشرة أنهما علي حق ووثقت في نظرتهما للناس وأصبحت أصدق وأنفذ كل ما يوجهانني إليه. - تعلمت الكمبيوتر لأجل ابنتي وفي المقابل نجد تجارب الأباء وأمهات في طريق التوافق مع أبنائهم فالسيدة آمال المصري لاحظت انشغال ابنتها بالإنترنت، فتعلمت الإنترنت، خصيصا لتشارك ابنتها اهتمامها وتضيفها كصديقة علي الفيس بوك علي حد قولها وتقول: «لا يمكن مهما حاولنا الرقابة علي أبنائنا في هذا الزمن، لذا فأهم شيء مصادقتهم ومشاركتهم هواياتهم حتي نصل لهم دون مشقة، ونصبح جزءًا من حياتهم، وليس خارجا لنعلم ونطمئن عليهم ويشعرون بالود تجاهنا فيتقبلون آراءنا بصدر رحب لأنهم يسمعون لأصدقائهم وزملائهم ولو وضعنا أنفسنا مكانهم وتذكرنا كنا مختلفين عن آبائنا وأجدادنا. سنلتمس لهم العذر، لأن زمانهم يتطور بسرعة كبيرة عن زماننا والعالم مفتوح والمغريات كثيرة. - صادقوهم ويؤكد الدكتور أشرف أن الصداقة مفتاح العلاقة المتوازنة مع أولاده الثلاثة فهو وزوجته وأولاده حوار مفتوح دائما بينهم ويقول : « أحيانا كنت أضيق بمجادلات الأولاد، خاصة في السن الصغيرة، ولكني كنت أتحكم بأعصابي لأعلمهم لغة الحوار، والمناقشة لذا تعودوا علي هذا وشعروا أني وزوجتي لا نضغط عليهم بل هناك «أخذ ورد». فأولادي الثلاثة في الجامعة وإن أمرتهم بشيء قد لا يفعلونه دون أن أدري، لذا فالصداقة والثقة شيئان يعنيان لهم الكثير، ولأنهم يعلمون أنهم إذا أقنعوني سأسمح لهم بما يريدونه فهم دائمو الحوار معي، وهذا ما يجعل العلاقة متوازنة دون « خناقات». - النقش علي الحجر أما الدكتورة إكرام سيف النصر فتري أن التربية والتنشئة في السن الصغيرة كالنقش علي الحجر وقول : « ربيت أولادي علي الحلال والحرام وعلمتهم المبادئ والقيم ثم عندما كبروا قليلا صادقتهم أنا ووالدهم لأن ما يريدونه سيفعلونه من ورائي، ولذا فمن الأفضل أن يعرفوا أني سأحترم آراءهم فلا يخجلوا من طرحها علي، ومع التربية الدينية يصبح عندهم مقياس كمؤشر لأفعالهم ويقارنونها بما تربوا عليه، فابنتي ليست محجبة مثلا، ولكنها لا تطلب أن تلبس ملابس خارجة لأنها تعرف الصح من الخطأ، وابني يسافر مع أصدقائه ، ولكن بعد أن يستأذنني حتي ابنتي الكبري عندما شعرت بميل لزميل لها جاءت وأخبرتني لنفكر معا هل هو الشخص المناسب أم لا.. - روشتة الآباء ويقول الدكتور «مصطفي إبراهيم» إن الصداقة لا تكتسب بين يوم وليلة، فكثير من زملائي يقولون: أولادنا كبروا فجأة، ومش عارفين نسيطر علي أفعالهم ومش عارفين نفهمهم ولم يدركوا أن معرفتهم بأبنائهم وقربهم منهم يجب أن يكون منذ سن صغيرة جدا، لأن العلاقة بينهم تتطور مع تطور سنهم ومع مستجدات العصر فلا يجدون الغربة التي يشعر بها بعض الآباء تجاه أولادهم. فابني تعود علي أن يحكي لي كل ما يمر به ولا أنتقده بل أطرح عليه آرائي وأستمع لآرائه فيشعر أنه رجل يخاطب صديقا له يسمع رأيه ويناقشه فيه، لذا فنصيحتي لكل أم وأب ألا يتركا العلاقة بينهما وبين أبنائهما للصدفة بل تكون هناك خطة مدروسة للتعامل بشفافية وصراحة علي أسس من التفاهم والحوار مع الأولاد منذ الصغر. وتوافقه السيدة إقبال مصطفي وتقول : انفتاح الشباب الآن علي العالم يستوجب أما وأبا متفتحين وواعيين لذا أنصح كل أب وأم أن تكون عندهما ثقافة عامة ويتطورا مع الزمن. فالجمود هو ما يجعلهما دائما غير راضين عن أولادهما. فلو وضع الآباء أنفسهم مكان الأبناء سيلتمسون لهم العذر وسيعلمون كيفية العبور بأبنائهم لبر الأمان وتُزال كل العوائق والحواجز بينهم. - أسر « سمن علي عسل » وتقول أمل سيف : لم أعان من الاشتباك مع أولادي لأنني تفرغت تماما لأولادي من صغرهم، وأقمت معهم علاقة قوية، وتداخلت في أدق تفاصيل حياتهم وجعلت نفسي صديقة متفهمة لهم وابتعدت عن النقد لذا فقد كبروا علي حب النقاش معي والوضوح ومحاولات الإقناع عند اختلافنا..» وتقول الدكتور إيمان : «جميل جدا أن يكون عملي مرتبطا بالشباب لأشعر بهم ولأني أساتذة في الجامعة فمعظم تعاملاتي مع الشباب فأنا قريبة منهم ومن أفكارهم وأستمع لهم وهو نفس الحال مع أولادي في البيت، فأنا أفهم ما يمرون به في كليتهم ووسط أصدقائهم وأشعرهم دائما بأني أثق فيهم وفي آرائهم..» - أعطوهم الثقة أما المهندس محمود فيلخص الروشتة التي يعطيها لعلاقة متوازنة بين الآباء والأبناء قائلا : « ربيت أولادي جيدا وهم في الجامعة الآن وزرعت فيهم المبادئ ثم أعطيتهم ثقة فلا أمنعهم من إنترنت أو ملابس معينة، لأني أثق فيهم وأشعرهم بهذه الثقة التي يحاولون دائما أن يكونوا أهلا لها، ويصارحونني بكل ما في حياتهم حتي إن ابنتي حكت لي عن إعجابها بزميل لها وطلبت منها أن تعرفني عليه، وكل واحد منهم عنده جهاز كمبيوتر خاص به في غرفته وأدخل معهم علي الإنترنت وأشاركهم اهتمامهم بالفيس بوك.. وفي نفس الوقت لم أعط لهم منذ صغرهم أي وقت فراغ فالرياضة وممارسة الهوايات من رسم وموسيقي بجانب الدراسة جعلت منهم شخصيات عملية لا تعاني من أي فراغ، لأن الأخير هو العدو الأول للشباب. ومادام الشاب لا يعاني منه، ويستثمر طاقاته فيما يحبه فلا خوف عليه.. ومهما فعلنا كآباء لن نستطيع معرفة حقيقة ما يفعله الأبناء لذا فنحن نضعهم علي أول الطريق بالتربية والمصارحة والثقة ثم نتركهم يكملون طريقهم بعد ذلك..