"أفوترك ولا أظبطك" جملة ترددت كثيرا من خلال الحملة الإعلانية لوزارة المالية تدعو المستهلكين للتمسك بحقهم في الحصول علي فاتورة عند الشراء، وبالرغم من تأكيد وزارة المالية علي نجاح هذه الحملة في توصيل المعني المطلوب وتحقيق الهدف المرجو منها، إلا أن الواقع مختلف فالطريقة الكوميدية التي تقدم بها شدت انتباه المشاهدين بعيدا عن ذكر المواصفات القانونية للفاتورة المطلوبة ولم تنعكس لتصبح واقعا لأن غالبية المحال التجارية وكذلك أصحاب الحرف والمهن الحرة لم يتعاملوا بها. وفيما لا يستطيع رجل أعمال له نشاط واضح وسجل صناعي وتجاري التعامل بدون الفاتورة يري البعض أن صغار الصناع هم أكثر الفئات تهربا من الضرائب، حيث تمثل الاستعانة بمحاسب لإمساك الدفاتر تكلفة إضافية تتراوح بين 1000 و3000 جنيه. ومن أكثر الصناعات التي تضررت من تداول البضائع المهربة بدون فواتير هي صناعة الملابس الجاهزة التي وصلت فيها نسبة التهرب الضريبي إلي 65% مما اضر بالمنافسة وأدي إلي إغلاق العديد من المصانع. يؤكد الدكتور سمير سعد مرقس أستاذ المحاسبة والضرائب في الجامعة الأمريكية حاجة المجتمع إلي تنظيم المعاملات التجارية، فقد تعارف السوق علي أن دليل الاثبات علي بيع وشراء البضاعة هو "الفاتورة" والتي تعتبر مستندا صادرا من البائع يفيد الكمية والسعر، بالإضافة إلي اسم المنشأة التجارية وعنوانها ورقم تليفونها، وسجلها التجاري ورقم البطاقة الضريبية، ولما كان السوق المصري يتميز بالعشوائية في التداول فقد لجأ التجار إلي إعطاء العميل ما يسمي "بيان أسعار" يشتمل علي الكمية والسعر دون الاشارة إلي البيانات الأخري التي يجب أن تتضمنها الفاتورة أو الامتناع كلية عن إصدار فاتورة بالبضاعة ما دام العميل لم يطلبها لأنه لا توجد عقوبة قانونية علي ذلك وهنا أساس المشكلة وبالتالي تبدأ المفاوضات والمنازعات والتخفيضات بينه وبين مصلحة الضرائب التي تؤدي إلي دفع رقم لا علاقة له بالمعاملات الحقيقية لذا يستحيل تحقيق العدالة بدون قانون يعاقب بالحبس أو الغرامة علي البيع بدون فواتير صحيحة، خاصة أن قانون حماية المستهلك قد بسط حمايته علي المستهلك الذي يحمل فاتورة وربط حصوله علي حق رد البضاعة بوجود فاتورة صحيحة لا يحل محلها أي مستند مشابه لا يتضمن البيانات الأساسية. ويشير الدكتور مرقس إلي أن البعض يضيف ضريبة المبيعات إلي قيمة الفاتورة فعلي سبيل المثال إذا كانت قيمة الفاتورة 100 جنيه يحصل التاجر 110 جنيهات تتضمن 10 جنيهات ضريبة مبيعات، أما في حالة التوريدات تقوم الجهة التي تدفع قيمة الفاتورة بخصم نصف في المائة، أي أن البضاعة التي سعرها 100 جنيه يحصل صاحبها 99،5 جنيه ويقوم بتوريد نصف جنيه تحت مسمي خصم لحساب الضريبة، أي أن هناك ضريبتين يتم تحصيلهما علي الأقل في ضوء الفاتورة، ولا يمكن التأكد من توريد المبالغ التي يتم تحصيلها إلي مصلحة الضرائب إلا بصدور فاتورة تضم البيانات اللازمة وقد حظر القانون علي غير المسجلين من التجار أن يقوموا بتحصيل ضريبة المبيعات، والتي يشترط لتحصيلها تحقيق مبيعات بمبلغ 145 ألف جنيه في السنة. فواتير الحرفيين أما بالنسبة للحرفيين فهناك صعوبة في امساكهم الدفاتر أو إصدارهم فواتير لعدم تعودهم علي التعامل بالمستندات لأن معظمهم يقوم بأنشطة طفيلية غير مرخصة، ويبلغ عددهم ما يقارب 3،5 مليون ممول خارج نطاق الحصر الضريبي، وفي الخارج توجد ماكينة إصدار فواتير حتي في صالونات الحلاقة، وبالرغم من أن محال البقالة في الماضي منذ ما يقارب من 30 سنة والتي كانت تدار بواسطة الأجانب اليونانيين كانت تستخدم ماكينة (كاشير) تصدر فاتورة حقيقية وليس بيان أسعار، إلا أنها في وقتنا الحالي لا تستخدم في الأنشطة التجارية إلا قليلا بالرغم من أن سعر الماكينة لا يتجاوز 300 جنيه. ويمكن تشجيع أصحاب الحرف علي اقتنائها بإجراء قدر كبير من التساهل من مصلحة الضرائب في بادئ الأمر لمحاولة افهامهم ومساعدتهم علي إصدار هذا النوع من الفواتير حتي يمكن تحقيق الهدف المرجو ولو حتي علي مراحل حتي يعتادوا الأمر، كذلك بتجاهل وعدم الاعتراف بأي تعامل خارج الفاتورة، مشيرا إلي أن القانون الجديد "رقم 143 لسنة 2006" أعفي الفواتير والايصالات من ضريبة الدمغة التي كانت تقدر بحوالي 40 قرشاً لكل فاتورة رغبة منه في تشجيع اصدارها والتعامل بها. وتعرب الدكتورة ضحي عبد الحميد استاذ الاقتصاد عن عدم وجود ثقافة الفواتير لدينا، فعلي سبيل المثال الصيدليات ومحال الاحذية والحقائب لا تعطي فواتير بل بيان أسعار بالاصناف المبيعة وسعرها فقط، وهو ما يعرف بالاقتصاد غير الرسمي الذي يضيع موارد كبيرة علي الدولة حيث يتم تقدير الضرائب بشكل تقريبي وجزافي ومن واجب وسائل الاعلام توضيح مواصفات الفاتورة القانونية للمستهلك حتي يتمسك بحقه في المطالبة بها.