يبدو أن صناعة الطعام العالمية يتم اعتصارها من كل الجوانب، ففي العام الماضي ارتفعت أسعار اللبن والبيض والحبوب والقمح والزيوت وكل السلع الاخري القابلة للأكل إلي مستويات غير مسبوقة وهي لاتزال تتزايد حتي الان ولكن بمعدلات أبطأ، كذلك زادت أسعار الوقود والكهرباء وهو ما يجعل عمليات التجهيز والتوزيع أكثر كلفة.. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان زيادة التكاليف تكون مسألة صعبة عندما يعاني الزبائن أيضا مشاكل مثل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع قيمة المساكن وزيادة التضخم الذي يجعل قوتهم الشرائية تتاَكل. وقد يكون صحيحا أن صناعات الطعام لا تتأثر بالركود لأن الناس لابد أن تأكل في أوقات العسر وأوقات اليسر، كذلك فإن الثلاثين سنة الاخيرة شهدت تراجع نصيب الطعام في انفاق الاسرة الأوروبية والامريكية بين نحو 30% ليصبح اقل من 10% ولذلك فإن المستهلكين لاينزعجون من ارتفاعات الاسعار مثلما كان الحال في الماضي ومع هذا فإن رد فعلهم علي هذا العبوس الاقتصادي يجعلهم يغيرون ما يأكلونه ومكان تناول الطعام "في البيوت أو المطاعم" وكذلك المتاجر التي يشترون منها طعامهم. ويقول مارتن ديبو المحلل في شركة السمسرة انفستيك سيكورتيز إن شركات الطعام تمر بما يمكن وصفه بأنه "عاصفة كاملة" وان من يمكنه تحمل اثار هذا العاصفة الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد علي قاعدة مستهلكين متنوعة مثل نسلة ويونيليفر ودانون إلي جانب متاجر الاسعار الرخيصة مثل وول مارت الأمريكية. ومن الشركات الخاسرة بسبب هذه العاصفة شركات البقالة الانيقة مثل "هول فودز ماركت" وهي شركة في تكساس متخصصة في السلع الفاخرة والاغذية العضوية، كما أن ازمة السوق تضرب الشركات الاصغر حجما التي لا تعتمد علي اقتصادات الحجم الكبير والتي تعتمد أساسا علي المستهلكين في بلد واحد أو اقليم واحد ولا تشتغل في عمليات تجهيز الطعام التي تصنع قيمة مضافة لكل سلعة. وقد استطاعت شركة نستله كبري شركات الغذاء في العالم أن تصمد في وجه عاصفة ارتفاع الأسعار ولذلك زادت مبيعاتها العالمية بنسبة 7% في العام الماضي في حين كان متوسط الزيادة في مبيعات شركات هذه الصناعة كلها لا يتجاوز ال 1.8% خلال نفس الفترة. ومثل غيرها من الشركات حملت نستله زبائنها جزءا من الارتفاع في الأسعار ولكنها كانت افضل استعدادا من غيرها لملاقاة موجة التضخم الراهنة. ويقول متحدث باسم نستله انهم كانوا يرون العاصفة وهي قادمة وانهم استعدوا لها بتخزين كميات معقولة من المواد الخام الغذائية. لقد أصبح بعد النظر وحسن تدبير الموارد مسألة أكثر أهمية من أي وقت سبق، ولذلك نجد نستله التي تستخدم كميات ضخمة من اللبن في صنع اغذية الاطفال وقطع الشيكولاتة تحصل علي حاجتها منه من الفلاحين بشكل مباشر وليس من السوق المفتوح الذي قفزت فيه الاسعار 50% خلال العام الماضي كما طورت مكونات بعض منتجاتها لكي تستخدم كميات اقل من اللبن واستغنت عن بعض المنتجات كليا وهو الامر الذي مكنها من التكيف مع عاصفة التضخم. أما شركة كرافت وهي من كبري شركات الطعام الامريكية فإنها تعاني من تصاعد اسعار مكونات سلعها، وفي العام الماضي زادت تكاليفها 9% أي نحو 1.3 مليار دولار وهو ما أدي إلي انخفاض ملموس في ارباحها. وللتكيف مع التضخم قامت كرافت بتطوير الكثير من منتجاتها من حيث المكونات أو التغليف كما صارت تعتمد علي صنع كثير من الاطعمة قليلة السعرات لتوفر في استخدام زيت الصويا. وقامت بصنع بيتزا جديدة اقل تكلفة تناهز مبيعاتها السنوية في السوق الامريكي ال 35 مليار دولار وهي بديل للبيتزا المجمدة الشهيرة "ديجيورنو التميت". وعلي جانب اخر، فإن المطاعم الامريكية بدأت تشعر بتباطؤ الاقتصاد علي حد قول متحدث باسم الاتحاد الوطني للمطاعم. صحيح أن هذه الصناعة لاتزال تنمو وأن مبيعات المطاعم الامريكية في العام الحالي يتوقع أن تناهز 558 ال مليار دولار ولكن معدل النمو لن يتجاوز ال 4.4% وهو اقل من العام الماضي. والملاحظ أن الزبون الامريكي لم يقلل من مرات تعامله مع المطاعم لكنه قلل من حجم انفاقه في كل مرة. كذلك فإن المطاعم حريصة علي عدم تحميل زبائنها اثار التضخم وتعمل بدلا من ذلك علي زيادة الانتاجية. أما المطاعم الرخيصة مثل ماكدونالدز فإن مبيعاتها وأرباحها في تزايد وهذا يرجع إلي تركيزها علي المنتجات التي في متناول الجميع أي المنتجات التي لايزيد ثمنها عن دولار واحد، كما تحرص علي أن تكون قائمة اطعمتها كلها اغذية لا يزيد ثمن الوجبة في اغلاها علي 10 دولارات. ونقول مجلة "الايكونويست" ان أسعار الطعام سوف تستمر مرتفعة لبعض الوقت ولكن الحاجة هي أم الاختراع وعلي شركات الطعام أن تستفيد من هذه الحكمة وإلا تكف عن الابتكار في وصفات الطهي لتحافظ علي زبائنها وعلي ما تحصله منهم من ايرادات وارباح.