أكثر ما يضر النظم السياسية والحكومات التي تعبر عنها هو الخلط بين الأدوار، وخاصة حين تصل أزمة ما إلي ذروتها، ويبدو للجميع أهمية أن يتعاونوا لإيجاد حل لها. مثلا.. أزمة "العيش" في مصر تلك التي حدثت منذ شهور وأصبحت حديثا علي كل لسان بعد أن ظلت الأزمة تراوح مكانها دون بوادر لانفراجها رغم سيل التصريحات بقرب إيجاد حل لها. الرئيس يوجه الحكومة لحل الأزمة، رئيس الوزراء يجتمع بالوزراء والمحافظين يطالبهم بالتحرك لحل الأزمة، وحدات إنتاج خبز تدخل دائرة الإنتاج لحل مشكلة تكدس المواطنين أمام منافذ التوزيع. لاحظ هنا أن الاتجاه السائد لدي دوائر المسئولين هو حل مشكلة التكدس وليس حل مشكلة رغيف الخبز وهي مشكلة أكبر من نقص المعروض مؤقتا وإمكانية تعويض هذا النقص مؤقتا أيضا. الدلائل تشير إلي الاتجاه إلي حل مؤقت لمشكلة تكدس المواطنين الراغبين في الحصول علي رغيف الخبز المدعم دون الاقتراب من أصل المشكلة وهو إلي أي مدي تستطيع الدولة توفير حصص الدقيق الكافية لإنتاج وتوزيع الخبز "مجانا" علي من يرغب من المواطنين بافتراض أن سعر "الخمسة قروش" ليس إلا سعرا رمزيا لا يكفي مطلقا لتغطية تكاليف الخبيز والتوزيع فضلا عن تكلفة الدقيق نفسه. وأخيرا تدخل بعض رجال الأعمال وأقصد واحدا منهم علي سبيل الحصر حتي الآن هو محمد فريد خميس الذي قرر إنتاج خبز لتوزيعه علي عمال وموظفي شركاته بالعاشر من رمضان وعلي جيرانهم كلما أمكن ذلك. وحين يوزع خميس بمبادرة شخصية الخبز مجانا في شركاته فذلك يدخل في باب المزايا العينية للعاملين، فهي أولا مبادرة إنسانية ونظرة متطورة من الإدارة إلي العاملين رغبة منها في توفير جهودهم للعمل وليس للبحث عن مصادر لشراء الخبز المدعم. في اعتقادي أن مبادرة خميس هي اتجاه محمود يجب أن نشكره عليها، ولكنها سياسة مختلفة تماما عن السياسة التي ينبغي علي الدولة اتباعها لحل أزمة الخبز حلا جذريا بايجاد البديل المناسب للسيطرة علي حجم الدعم الموجه أساسا لمحدودي الدخل في ظل الموارد شبه الثابتة للدولة والتي تحول دون توفير عرض مرن من الدقيق المدعم يفي بحاجة إنتاج الخبز المدعوم، وكذلك يتجاوز التهريب الذي يحدث في مجال الدقيق المدعوم. الدول الأكثر ثراء وغني ولديها فائض في مواردها لا توزع الخبز مجانا، ومطالبة الحكومة المصرية بذلك ضرب أو نوع من التعجيز، ولو استطاعت الحكومة حل المشكلة مؤقتا ليوم أو أسبوع أو شهر فلسوف تعود الأمور لسيرتها الأولي بعد ذلك إلا إذا أعادت الدولة حساباتها فيما يجب أن تتحمله وما يجب أن يتحمله المستهلك ترشيدا للاستهلاك ومنعا من تبديد الموارد فيما لا طائل وراءه.