وقف عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" يخطب في الرعية فسأله احدهم من أين لك بهذا الجلباب يا عمر وقد وزعت علينا قماشا لا يكفي لجسدك؟ فأشار عمر إلي ابنه عبدالله الذي قال لقد أعطيت أبي من قماشي فقال سائله: السمع والطاعة يا عمر. هذه هي إحدي القصص التي تروي للحديث عن الجذور التاريخية لدور جهاز الكسب غير المشروع في مساءلة السلطة وبعيدا عن مثالية دولة "الراشدين" تحتل مصر الحديثة المركز ال110 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد الأخير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية ووصل الفساد في محلياتها "للركب" علي حد التعبير الشهير لزكريا عزمي وصار "بيناً" لا يحتاج إلي اثبات كما جاء علي لسان المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في مناقشة الحساب الختامي للموازنة.. فكيف يستشري الفساد بهذه الصورة علي الرغم من أن جميع موظفي الدولة وفقا للقانون يقرون بثرواتهم للجهاز كما يفتح الجهاز بابه لكل من يقدم شكوي في ثروات كل من يعمل سواء في القطاع العام والخاص.. وهل هناك حاجة لدعم الجهاز لكي يقوم بدور أكبر ولا نطالبه أو نتمني له حتي أن يصل إلي درجة مثالية "الفاروق"؟ هذا هو السؤال الذي طرحناه علي الخبراء في هذا التحقيق و"اقرار الذمة المالية" هو الاسم الاصطلاحي الشهير للاقرار الذي يتم فيه الاعتراف بثروات موظفي الدولة والسلطة القضائية والتشريعية والعاملين في المجال العام من نقابات والجمعيات خاصة ذات النفع العام وكذلك التجار الذين يحملون بطاقة ضريبية ممن تتعدي معاملاتهم 50 ألف جنيه مع المال العام بمختلف أشكاله. وهم فئات تشكل قاعدة عريضة في المجتمع فعدد العاملين بالقطاع الحكومي حوالي 6 ملايين موظف ومكلف الجهاز بمراجعة اقراراتهم بصفة دورية كل 5 سنوات ومؤخرا صرح الجهاز بأنه أبلغ النيابة عن 1655 موظفا و4385 ممولا و549 من أعضاء مجلس الشعب السابقين و22 عضو مجلس شوري لم يقدموا اقراراتهم خلال العام القضائي 2006 2007 وإن كان القانون قد وضع عقوبة لهؤلاء المتهربين إذ اعتبرها جريمة جنائية يعاقب عليها بالحبس والغرامة ولكن كيف يتم التحقق من صحة بيانات العدد الضخم من الاقرارات المقدمة؟ ظروف عمل صعبة يوضح د.شوقي السيد عضو مجلس الشوري أن الاقرارات تفحص دوريا بمعرفة "هيئة للفحص والتحقيق" بالجهاز وإن وجدت أن ايرادات صاحب الاقرار لا تتناسب مع ثروته تجري الهيئة تحقيقاتها ويعاقب بعد ثبوت التهمة عليه بعقوبة جنائية فضلا عن المصادرة إلا أن فحص الاقرار كما يضيف د.شوقي يظل فحصا ورقيا حتي تظهر شبهة في الاقرار أو تقدم شكوي في صاحب الاقرار ساعتها تجري عليه هذه التحقيقات فالجهاز هو جهاز "فحص وتحقيق واحالة" ومن المفترض أن هناك أجهزة أخري مثل مباحث الاموال العامة والرقابة الادارية تقوم بدور مكمل لدوره. والواقع أن الصدف تلعب أحيانا دورا مهما في عمل جهاز الكسب غير المشروع فالعام الماضي تقدم 35 مواطنا بشكوي ضد شركة توظيف أموال وكانت المفاجأة أنه تم استدعاء أصحاب هذه الشكوي للتحقيق بعد أن لاحظ الجهاز تضخم ثروات بعضهم حيث أودع عامل بكهرباء القاهرة 10 ملايين جنيه وأودع مدرس بوزارة التربية والتعليم أكثر من 9 ملايين جنيه وهي الحوادث التي تجعل البعض يستشعر بأن واقع الفساد المالي قد يكون أكبر بكثير من القضايا التي تطفو علي السطح. ويضيف سمير صبري المحامي بالنقض أنه من الواضح أن الفساد المالي متفش تماما ولكن جهاز الكسب غير المشروع يحقق فيما يتم الابلاغ عنه فقط وهي حالات قليلة جدا.. ويشير صبري إلي ضعف الامكانيات الادارية للجهاز علي الرغم من الكفاءة الفنية للكوادر العاملة فيه فهو كما يضيف صبري "دور في عمارة في شارع سوق التوفيقية يتكون من 6 حجرات تضم مدير الجهاز وحوالي 8 مستشارين اجلاء ولنا ان نتخيل كم الاعباء الملقاة علي هذا العدد القليل، بالاضافة إلي نقص بعض الامكانيات الفنية كأجهزة الكمبيوتر.