الكاتب الكبير صلاح منتصر الذي يكتب أفضل مقالاته منذ ترك المسئوليات الإدارية والتحريرية وتفرغ لأمانة الكلمة في كتابات يومية رفيعة المستوي كتب يوم الجمعة الماضية يحدثنا عن معاناة زميلنا الكاتب الموهوب مجدي مهنا مع المرض الذي أجبره علي الابتعاد عن كتابة مقاله اليومي "في الممنوع" والذي كان ينشر يوميا في صحيفة "المصري اليوم". وقد دعا الأستاذ صلاح منتصر في مقاله أن يكون زميلنا العزيز مجدي مهنا محاطا بقلوب قرائه وهم كثيرون. وللأستاذ صلاح منتصر كل الشكر والاحترام علي هذا المقال الذي ذكرنا جميعا بواجبنا تجاه زميل أخلص لمهنة الصحافة واعطاها عصارة فكره ومخزون روحه الصافية التي كانت دوما يقظة ومنفعلة في إبراز قضايا وهموم هذا الوطن وتناولها بكل الصدق والموضوعية في زمن قلت فيه الكتابات المنزهة عن الهوي وامتلأت الساحة الصحفية بعشرات الأقلام التي لا تخجل مما تكتبه والتي تتلون يمينا ويسارا من أجل مصلحة ما وتدعي الشرف بينما هي أول من يبيع هذا الشرف وتتاجر به. وإنه لمن المؤلم حقا ما أطلعنا به الأستاذ منتصر عن الحالة الصحية الحرجة لمجدي مهنا أحد رفاق الدرب الذي انقضت أكثر من عشرين عاما منذ شاهدته آخر مرة في نقابة الصحفيين في إحدي المناسبات. ففي هذه المهنة القاسية فإننا لا نلتقي بالكثيرين من زملاء المهنة إلا علي صفحات الصحف فقط ونتبع أخبارهم بمحض الصدفة بعد أن انطلق كل واحد منا في مجال ومكان مختلف وباعدت بيننا المسافات والمسئوليات. وكان الزميل والصديق العزيز مجدي مهنا دائما في الذاكرة بمتابعة مقالاته التي كانت مثالا علي الالتزام بأمانة الكلمة والسمو فوق الإغراءات والمجاملات، والتي كانت أيضا صاروخا يوميا موجها ضد الفساد والمنحرفين وأعداء الحرية في كل مكان. ثم جاء عصر الفضائيات والصحافة التليفزيونية ليثبت مجدي مهنا أنه فارس للكلمة والحوار التليفزيوني العقلاني ليكتسب مزيدا من الإعجاب والاحترام وليس هناك ما هو أفضل لأي كاتب ولأي إعلامي من أن يقال عنه في الأوساط الصحفية ولدي الرأي العام بأنه كاتب محترم. ومنذ أن تخرجنا في كلية الإعلام قبل نحو ربع قرن فإن أحدا لم يسمع عن مجدي مهنا ما يشينه أو يسيء إليه، بل كان علي الدوام نقابيا ناجحا وكاتبا له قلمه المتميز ومكانته المرموقة بين أقرانه وزملائه. واتخذ مجدي مهنا جانب المعارضة، المعارضة بمفهومها الوطني الذي يبحث عن الإصلاح من الداخل ويحث الحكومة عليه ويبرز أخطاءها من أجل إصلاحها لا من أجل التشهير بها، وهي المعارضة التي تمثل الجانب الآخر الضروري في التجربة الديمقراطية السليمة، فلا ديمقراطية مع سيطرة حزب واحد، ولا ديمقراطية مع معارضة مستأنسة، ولا ديمقراطية مع من يتلقون أوامرهم وتوجيهاتهم من الخارج، وينفذون أجندة خاصة تجعل من بلادهم هدفا لأطماع الآخرين ومعبرا لتحقيق أهدافهم. علي أن القيمة الحقيقية في كتابات مجدي مهنا هي أنه لم يكن يحمل فكرا أيديولوجيا جامدا يلتزم به، فلم يكن مثلا في خانة اليسار الاشتراكي، ولم يكن ملتزماً بالدفاع عن المرحلة الناصرية، كما لم يكن من المصنفين علي أي فكر آخر، فقد كانت كتاباته تعبيرا عن قناعاته الشخصية التي تنطلق من إيمان صادق بما يكتبه وغيرة أكثر صدقا علي هذا الوطن. والقيمة الأكبر في تجربة مجدي مهنا هي أن نجاحه وانتشاره لم يصنعه غيره، ولم تحققه المناصب مثل الآخرين الذين يفرضون علينا فرضا في مختلف وسائل الإعلام مكافأة لهم علي أدوار مرسومة لهم، أو إبرازا لهم نكاية في الآخرين الذين ظلوا محتفظين باستقلاليتهم ومواقفهم المهنية المشرفة. وفي هذه المهنة التي تمر بأسوأ مراحلها بعدأن اختلط فيها الإعلان بالمادة التحريرية، وبعد أن دخل المهنة أعداد كبيرة من أنصاف الموهوبين وأنصاف المؤهلين لها، والتي امتلأت أيضا بالميليشيات والشلل، وصار النجاح فيها لمن تسانده جماعة ما، واعتلي منبرها الأعلي صوتا والأكثر علاقات ونفوذا فإن وجود كاتب مستقل الرأي والفكر لا يمكن أن يصنف أو يحسب علي أحد يطمئننا أن المهنة بخير وأن الأمل في الإصلاح موجود وأن شرف الكلمة سيظل عاليا وأن هذه المهنة ستظل مهنة سامية، إن لم تكن أشرف المهن علي الإطلاق. ويا عزيزي مجدي مهنا، هذه كلمات حب وإعجاب وتقدير، ربما جاءت متأخرة، وربما كانت محاولة للتكفير عن خطأ التقصير في السؤال عنك، وربما كانت تحمل في طياتها دفعكم للمقاومة والصمود أمام المرض، وربما كانت تعبر عن انفعالنا تجاه ما سمعناه عن مرضكم.. ولكنها تقول في النهاية شيئا أساسيا وهي اننا جميعا نفتقد كلماتكم الصادقة كل يوم وندعو الله سبحانه وتعالي أن تعود إلينا بنفس روح العزم والتفاؤل الذي لم تتخل عنها أبدا، وكما قال الأستاذ صلاح منتصر عد إلي سلاحك أيها الفارس الذي "وحشته" كما "وحشتنا". sayedelbablyhotmail.com