وبعيداً عن مضمون القضية الذي هو في عناية القضاء المصري، تشير هذه المحاكمة العديد من الأسئلة القانونية وأبرزها: هل كانت هناك أساليب أخري متاحة أمام جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار للتعامل مع قضية شركات الأسمنت.. هل لدينا قضاء جالس وواقف وهيئات دفاع قادرة علي العمل في مثل هذه القضايا المتخصصة.. وهل سيتم الاستعانة بمحامين أجانب متخصصين.. وما موقف المحاكمة من التعديلات المقترحة علي القانون من أجل فرض عقوبات أكثر واقعية وردعا علي المخالفين لأحكامه؟ طرحنا كل هذه الأسئلة علي الرسميين والمتخصصين في القانون والمحامين وبينهم من الذين أسندت إليهم الشركات المحالة للمحاكمة قضيتها.. وهكذا كانت حصيلة إجاباتهم. ومن جانبه يؤكد المستشار حسن البدراوي بإدارة التشريع بوزارة العدل أن مشروع التعديلات الخاصة بقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار لم تتسلمها وزارة العدل للآن.. مشيرا إلي أن تعديل الغرامات أو إلزام الشركات سيتم دراستها خلال إدارة التشريع لضمان عدم تعارضها مع القوانين أو التشريعات الأخري. ويلفت البدراوي إلي أن التعديل في أي قانون بعد التطبيق أمر وارد والمثال الشهير علي ذلك هو قانون غسل الأموال والذي تم تعديله قبل مرور عام علي إصداره وهو ليس عيبا ولكنها تحسب للمشروع وخاصة حينما يواجه عند التطبيق مشكلة تستعصي علي الحل والمهم أن التعديل يكون له أساس وجوهر وليس لمجرد التعديل.. مؤكدا أن منظومة القوانين الاقتصادية مازالت تحتاج إلي توعية للجمهور وتدريب للقائمين علي تطبيقها مثل قانون التمويل العقاري والملكية الفكرية وحماية المنافسة. ويوضح الدكتور حسن البدراوي أن القضاة والمحامين لن يكون أمامهم مشكلة خلال مناقشة قضية شركات الأسمنت لأنهم مارسوا تلك القضايا في دول أخري ونجحوا في تنفيذ روح القانون. التجربة ويتفق مع الرأي السابق المستشار محمد شريف المحامي بالنقض والخبير المصرفي، موضحا أن تطبيق القانون يحتاج للتجربة بين القضاءين الواقف والجالس وفي حالة الضرورة يجب الاستعانة بأهل الخبرة من الاقتصاديين والماليين والصناعيين لتحديد أي خلاف وحسمه، كما يلفت إلي أن القانون يطبق في الدول المتقدمة ويعتبر ضمن أدوات تطبيق آليات السوق وهو أهم بالنسبة للدول النامية لضبط السوق والحفاظ علي المتطلبات الأساسية للشعب، مضيفا أن التعديل في التشريع القائم كان ضرورة خلال المرحلة الأخيرة وخاصة أن العقوبات لم تعدرادعة للمحتكرين، كما أن هذه التعديلات تمكن الدولة من التغلب علي المشكلات الأساسية حتي لا يترتب عليها انهيارات اجتماعية. ملفات موظفين وأكد أحد محامي الشركات رفض ذكر اسمه أنه اطلع علي ملف القضية وأن الملفات كلها لا تعتبر إلا "شغل موظفين" علي حد تعبيره.. مشيرا إلي أن عدد من الشركات الأجنبية والتي تعمل في قطاع الأسمنت استدعت عددا من المحامين من البرتغال وفرنسا وغيرهما من الدول لأن المحالين للمحاكمة بينهم جنسيات مختلفة. شهادة بالفشل ويقف علي الجانب الآخر الدكتور شوقي السيد رئيس لجنة التشريعات بمجلس الشوري والذي يري أن مشروع التعديل بالقانون 3 لسنة 2005 يرجع لردود أفعال وقتية، مؤكدا أن أي تشريعات بهذا الشكل تكون فاشلة علي حد تعبيره وأضاف أن التشريعات ليست الحلول والأهم منها الأدوات الفنية التي يمكن أن تعالج المشكلة. ويؤكد الدكتور شوقي السيد أن الإدارة العاجزة هي التي تلجأ إلي العقوبات السريعة والأهم من ذلك أن تعالج المشكلة.. مشيرا إلي أن إحالة كل شركات الأسمنت إلي النائب العام ثم إلي المحاكمة يعتبر شهادة بالفشل وكان الأجدي أن تلجأ الإدارة للحلول التفاوضية مع الشركات قبل تحويلها إلي النيابة العامة، مضيفا أنه عندما نتحدث عن الاستثمار يجب أن تعتمد الدولة علي أدوات تحقق التوفيق بين أهدافها وأهداف الاستثمار ومضاعفة العقوبات لن يحل المشكلة.. مشيرا إلي أنه يعتبر نفسه من المطالبين بأنياب الحكومة ولكن تجريم الفساد ليس الحل والقضاء يجب أن يكون في نهاية المطاف. ويلفت د. شوقي السيد إلي أن القانون أكد علي أهمية الاخطار والإنذار والأهم من ذلك الأدوات الفنية أو جزاءات سابقة علي التحويل للنيابة.. ويؤكد أن الجزاءات الاقتصادية أجدي من الأساليب الجنائية لأنها ما اسهمها وما أسوأ نتائجها. ويتوقع رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشوري عدم تحقق النتائج المرجوة من تطبيق تلك العقوبات أو تعديلها في المشروع الجديد والعقوبات ما هي إلا شهادة بالفشل في استخدام العلاج بالطرق الاقتصادية التي تهتم بالأسباب وعلاجها من الجذور ولا تكتفي بالأعراض.. وتساءل أين تفاوض الحكومة في السوق الحر؟! واعتبر تحويل شركات الأسمنت سابقة في المنطقة وتلاها شركات المياه.. وأكد أنه إذا اعتمدت الحكومة ذلك كأسلوب في المسائل الاقتصادية فإن ذلك يشكل خطراً علي الاقتصاد المصري. وجهة نظر رسمية أما الدكتور خالد حمدي نائب رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار وأحد الذين ساهموا في خروج القانون للواقع أن القانون المصري جيد مثله مثل أي قانون في الدول المجاورة وتعديله لا يعني أنه بالضرورة سيئ ولكنه توجه نحو الأفضل وخاصة أن وزارة التجارة والصناعة تقوم حاليا بعمل مراجعة شاملة لكل التشريعات الاقتصادية ومنها قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار. ويوضح حمدي أن التعديل يسعي لتشديد عقوبة الغرامة المتعلقة بشأن جرائم إبرام الاتفاقات الضارة بالمنافسة وجرائم الممارسات الاحتكارية لتصل إلي 50 مليون جنيه "9 ملايين دولار" بدلا من 10 ملايين جنيه "8.1 مليون دولار" أو غرامة نسبية قدرها 10% من قيمة المنتج محل المخالفة وخاصة أن قيمة العملة اختلف من 2005 وقت اقراره في مجلس الشعب وإلي الآن حيث كانت تمثل العشرة ملايين جنيه قيمة كبيرة بينما الآن أصبحت تلك القيمة منخفضة ولا تمثل رقما ضخما يمكن أن يعتد به كغرامة. ويضيف د. حمدي أن التعديل يتضمن بندا إلزاميا للشركات بضرورة اخطار جهاز حماية المنافسة بعمليات الاندماج والاستحواذ.. مشيرا إلي أن القانون الحالي لم يتبن مراقبة الاندماج والاستحواذ في وقت سابق ولكن يجوز أن يقوم بذلك بعد فترة من تطبيق القانون ووفقا للوضع الاقتصادي للدولة. وأكد أن القضاء بشقيه الواقف والجالس ملتزم بتطبيق القانون وأحكامه بعد دراستها واستبعد حدوث أي مشكلات فنية أثناء المحاكمة لأن القانون واضح.. مشيرا إلي أن آليات الاقتصاد الحر لا تعني ترك السوق بدون ضوابط.