كان طلعت حرب ومازال هو رمز الاقتصاد المصري المعاصر وقائد النهضة الاقتصادية في القرن الماضي وصاحب الحركة الوطنية في التحول الي الرأسمالية الوطنية وصاحب حجر الاساس في مشروعات كانت ومازالت وستظل منبرا اقتصاديا في تاريخ مصر قديما وحديثا علي رأسها بنك مصر واستديو مصر ومصر للطيران ومصانع الغزل والنسيج الموجودة بالمحلة الكبري ولم يكتسب طلعت حرب هذا التاريخ والقيمة التاريخية كشخص لكونه صاحب تلك المشروعات فحسب بل لانه استطاع ان يقود مجتمعا وشعبا كاملا ويوجد اقتصادا وطنيا بدأه من الصفر وسط تعنت الاستعمار ومكائد الخونة انذاك .. الان وفي هذا التوقيت يمر علي ميلاد رائد الاقتصاد المصري طلعت حرب 140 عاما كاملة وبكل أسي نتذكره ونتساءل واضعين علامات الاستفهام .. لماذا لم يظهر طلعت حرب آخر في مصر ؟ وهل يمكن استنساخه؟ "العالم اليوم" تطرح السؤال علي الخبراء وكبار رجال الاعمال المصريين في السطور القادمة. رجال الاعمال ممن لديهم القدرة الرأسمالية علي محاكاة تجربة طلعب حرب والسير علي دربه من الناحية الرأسمالية اجمعوا علي ان طلعت حرب ظهر في ظروف خاصة جدا صعب ان تتكرر في هذا الزمان لأسباب كثيرة غير انهم قالوا ايضا ان هناك في العصر الحديث من يشابه طلعت حرب ولكن علي المستوي الضيق "الاقليمي". مساندة شعبية من اهم الاسباب التي أوجدت تجربة طلعت حرب الناجحة آنذاك أنه وجد من حوله مساندة شعبية ومجتمعاً يقف علي قلب رجل واحد ضد الاستعمار ..هذا مايراه محمد فريد خميس رجل الاعمال المصري الذي يقول ان الوقت اختلف كثيرا واصبحت العولمة والاستثمارات الاجنبية هي اهم رموز التمدن الاقتصادي والمنافسة العالمية فضلا عن ان الجميع يسعي إلي تحقيق نجاحات شخصية علي المستوي الفردي سواء المواطن او رجل الاعمال. ولعل ما ميز طلعت حرب وجعله رمزا للحركة الاقتصادية حتي يومنا هذا حسب مايري فريد خميس هو المجتمع آنذاك وظروف البيئة التي كانت تظهر المتميزين علي الوجه الصحيح خاصة وان المجتمع المصري لم يكن كبيرا مثل الوقت الحالي فسمعة طلعت حرب كانت تجول البلاد والمحافظات شرقا وغربا ويعرفه الفلاح والمثقف والتاجر بينما هناك كثير من رجال الاعمال في الوقت الحالي غير معروفين علي المستوي المحلي رغم ان لهم انشطة فعالة اجتماعيا واقتصاديا. ويلفت فريد خميس الي ان دور طلعت حرب كان محوريا في ايجاد اقتصاد مصري حر ويوجد للمصريين مكانا في اقتصادهم ويغير استراتيجية دولة استعمارية وساعده علي ذلك من حوله اما الآن فالدولة تحاول جاهدة استيعاب واستقطاب الاستثمارات الاجنبية وهو نوع من انوع العولمة والتطور الاقتصادي وبالتالي فان تجربة طلعت حرب الفريدة لن تتكرر بنفس السيناريو لكنها تكررت مئات المرات بسيناريوهات مختلفة فهناك رجال اعمال أنشأوا كيانات اقتصادية مصرية ووجهوها الي خدمة البلاد والشعب ومازالوا اسوة بتجربة طلعت حرب الرأسمالية الشعبية. ويعود فريد خميس ليؤكد مرة اخري علي انه من الصعب في الوقت الحالي ان تتكرر تجربة طلعت حرب علي الوجه الذي يعتقده الكثيرون خاصة وان هناك اموراً ذات ابعاد كثيرة ساهمت بشكل رئيسي في ظهوره فبعد الحرب العالمية الاولي ادرك المصريون حجم الاستغلال الذي تتعرض له مصر من انجلترا وكيف ان بريطانيا جعلت مصر مجرد مزرعة قطن لتغذي المصانع الانجليزية بالقطن الخام. ادرك المصريون ذلك عندما سمحت انجلترا بقيام بعض المصانع في مصر لخدمة المجهود الحربي اثناء الحرب نتيجة لانشغال المصانع البريطانية بانتاج السلاح اللازم للمعارك ونجحت المصانع المقامة في مصر وكانت الجودة لا تقل عن مثيلاتها في بريطانيا. مقاييس عصرنا الدكتور صلاح الدسوقي استاذ التاريخ الحديث يقول انه من الصعب أن نحكم علي تجربة طلعت حرب بمقاييس عصرنا الحالي وإنما بمقاييس عصره ففي بداية العشرينيات كانت مصر دولة زراعية وكانت مساحة الرقعة الزراعية في هذا الوقت 5 ملايين فدان كان توزيعها كالآتي الملك يملك مليون فدان والأجانب مليونا والباشوات المصريون مليون فدان والباقي 2 مليون موزعة علي فقراء الشعب البالغ عددهم 7 ملايين فرد وكانت الثروة الزراعية مملوكة للأجانب وكان المنتج الرئيسي هو القطن وكان يتم التعامل عليه شراء وبيعا من خلال البورصة التي يسيطر عليها الأجانب أما بالنسبة للبنوك فكان عددها 26 بنكا منها 12 بنكا مسجلين كشركات مصرية بمساهمات أجنبية بجانب 14 بنكا من بنوك أجنبية بالكامل. ويعود صلاح الدسوقي ليؤكد أن كل هذه الأمور مجمعة ساهمت في نجاح تجربة طلعت حرب وايجاد شخص ستظل ذكراه دائما غير أن فكرة استنساخ طلعت حرب جديد لن تتكرر لأمور كثيرة ملخصها أن النشأة وزمن الظهور وكذلك الكيفية التي ظهر بها طلعت حرب تختلف تماما عن الوقت الحالي فهو رجل وضع أمامه تمصير الاقتصاد ونجح في الوصول له بخطط مدروسة أما الآن فالاقتصاد المصري يتجه نحو العكس تماما وفق دبلوماسيات واستراتيجيات دولة لا يعارضها أحد