في مؤتمر "آنابوليس" وعد بوش بأن يلتزم بأمن اسرائيل بوصفها وطنا "قوميا" للشعب اليهودي وهو ما يعد امتدادا لوعد بلفور الذي اكد حرص بريطانيا علي النظر بعين العطف والرعاية الي امل الصهيونية في انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.. ولا غرابة فانعقاد مؤتمر آنابوليس في ال27 من الشهر الماضي جاء عشية مرور ستين عاما علي ذكري تقسيم فلسطين الصادر عن الاممالمتحدة في 29 نوفمبر 1947. الدولة اليهودية شرط للتفاوض حرص بوش امام الملتقي الدولي الذي كان العرب فيه مكونا رئيسيا علي اعادة الحديث عن اسرائيل بوصفها وطنا قوميا للشعب اليهودي وهو امر سبق له ان تطرق اليه من قبل في قمة العقبة عام 2003. كما ان اولمرت نوه عن ذلك قبل اربعة اعوام عندما كان نائبا لشارون وتحدث عن ضرورة ترسيم اسرائيل لحدودها من جانب واحد وزيادة عدد اليهود فيها الي اقصي ما يمكن وتقليص عدد العرب الي اقل ما يمكن وعدم الانسحاب الي حدود 1967 وعدم تقسيم القدس. ثم ان اولمرت عاد مؤخرا او عشية انعقاد مؤتمر آنابوليس ليتحدث عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين باسرائيل كدولة يهودية وجعله شرطا للتفاوض معهم. وامر كهذا يعني ان عرب 1948 سيكونون مهددين بالتهجير القصري. استئصال المقاومة جاء مؤتمر "آنابوليس" ليكون مسرحا يجري فيه اعتماد الدولة اليهودية صراحة امام كل الدول المجتمعة اما الامر الثاني الذي اجتمعت "آنابوليس" من اجله فهو اعطاء الضوء الاخضر لاستئصال المقاومة والقضاء عليها والمقاومة هنا تعني في الاساس حماس في غزة. ومن ثم جاء الحديث عن خريطة الطريق والاعتماد عليها كمرجعية اساسية للمفاوضات وهو ما يشير الي ان انطلاق المفاوضات قد تم ربطه بالقضاء علي المقاومة واستئصال شأفتها من خلال مطالبة الفلسطينيين بتنفيذ المرحلة الاولي من خريطة الطريق وهو امر اكده "اولمرت" بعد انتهاء مؤتمر "آنابوليس" عندما قال: لا اتفاق مع الفلسطينيين قبل تفتيت خلايا الارهاب ولا حديث عن القدس ولا عن جدول زمني بالنسبة للمفاوضات.. ومعني ذلك ان تحديد العام القادم 2008 نهاية لها غير وارد فلقد سبق لاولمرت ان قال إن التوصل الي اتفاق قد يحتاج الي ثلاثة عقود. ولهذا بادرت امريكا بسحب مشروع القرار الذي كانت قد تقدمت به لمجلس الامن لدعم تحريك عملية السلام التي اطلقت في "آنابوليس" والسبب تحفظ اسرائيل علي الالتزام بالسعي الي اتفاق سلام قبل نهاية العام القادم! الهدف اسقاط حماس جاء مؤتمر "آنابوليس" ليمنح اسرائيل تفويضا كاملا بكل الممارسات الاجرامية التي تقوم بها ضد قطاع غزة الذي يعيش حصارا ضاريا بهدف اسقاط حماس ولهذا نفذت اسرائيل وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر سلسلة غارات علي القطاع سقط خلالها قتلي وجرحي فلسطينيون وكان هذا بمثابة مقدمة لتصعيد خطير ضد القطاع تكريسا لقاعدة جديدة تستهدف اللعب داخله. وكأنما ارادت اسرائيل استخدام الحرب الاستباقية بهدف تنفيذ احد اهداف "آنابوليس" وهو القضاء علي المقاومة كلية وكما قال اولمرت إن محاربة الارهاب في غزة يسبق اي اتفاق للسلام! ولا يستبعد في ضوء ذلك ان يحدث تصعيد جديد ضد القطاع من خلال شن اسرائيل عملية عسكرية واسعة برا وبحرا وجوا كان باراك وزير الدفاع قد هدد بها. فشل مؤتمر آنابوليس ولكن ماذا بعد ان تم تحديد 12 الشهر الحالي موعدا لانطلاق المباحثات بين الطرفين؟ العملية تبدو خاسرة بل ان المؤتمر عاد القضية الفلسطينية الي الصفر واكد بأن المسار الذي حدده لن يحقق شيئا من حقوق الفلسطينيين لا سيما ان الاطراف لم تتفق علي اي شيء سوي ان يتفاوضوا للوصول الي اتفاق كما ان التفاهم بين اسرائيل والفلسطينيين لم يتضمن تعهد اسرائيل بأي شيء سواء علي صعيد وقف الاستيطان او علي صعيد الحدود والقدس واللاجئين. بوش داعية سلام اليوم وفي محاولة لتقييم المردود نتساءل ما الذي اسفر عنه "آنابوليس"؟ ربح الداعي "بوش" والمدعي "أولمرت" وخسر الباقون. بوش توج نفسه كداعية سلام بعد مأزقه في افغانستان والعراق وربح المدعو اولمرت باعطاء مشروعية لاسرائيل كدولة يهودية وتم ذلك وسط حضور عربي قوي بدا وكأنه جاء ليدشن هذا الاعلان. بل ان وجود العرب في هذا المحفل كان يعني ضمنا القبول باستمرار حالة الانقسام الفلسطيني توطئة لتصفية الوضع الحالي في غزة ولاننسي ان العرب ساهموا في محاصرة المقاومة الفلسطينية وكأنها العدو الذي يجب احتثائه. تفاوض حول ماذا؟! ذهب العرب الي مؤتمر اشبه ما يكون بالمتاهة لم يعدهم بشيء حلقة مفرغة من التفاوض ولا ادري تفاوض حول ماذا؟ كان يجب الا يكون هناك تفاوض اصلا لانها حقوق ثابتة اقرتها قرارات الشرعية الدولية ودعت الي تنفيذها وليس الي التفاوض حولها ثم كيف يجري التفاوض برعاية امريكا التي هي اساس المشكلة من خلال دعمها لاسرائيل وانحيازها الاعمي للدولة اليهودية؟ المؤتمر حقق لاسرائيل ما ارادته ولم يسفر للفلسطينيين الا عن وعد بمفاوضات مفتوحة ومتواصلة لا نهاية لها. وسيتبين بعد ذلك ان المؤتمر لم يكن إلا صفحة عابرة ليظل الجرح الفلسطيني علي حاله. فرصة تاريخية لمن؟ مشاركة العرب لم يكن هناك ما يسوغها سوي العجز العربي عن مقاومة الضغوط الامريكية وخضوع صناع القرار العربي لهذه الضغوط واذا كان عباس قد قال إن المؤتمر فرصة تاريخية ينبغي اغتنامها فلم يكن للفلسطينيين او للعرب وانما كان بالفعل فرص تاريخية للحليفين امريكا واسرائيل..