قضية شائكة ودوائرها متداخلة وهي تلك القضية المتعلقة بالناس والدعم والصادرات.. وحتي تتضح ملامح وأبعاد تلك القضية علينا أن نراجع بعض الأرقام والحقائق المتعلقة بتلك القضية.. أما بالنسبة للأرقام فإنها تقول إن الدعم يواصل ارتفاعه في الموازنة العامة ليصل إلي 55 مليار جنيه في العام الحالي بالإضافة إلي الدعم الخاص بالطاقة والذي تجاوز 43 مليار جنيه في العام الماضي والأرقام علي هذا النحو تشير إلي تزايد الوزن النسبي لقيمة الدعم في الموازنة العامة علي نحو متسارع وهو ما يستحق التوقف والتحليل والتأمل والدراسة من عدة جوانب وفي إطار عدة معطيات.. فالحكومة تقول والناس أيضاً إن هذا لا يصل إلي مستحقيه وأن الأسلوب الذي يستخدم أسلوب الدعم العيني لا يصلح لكي يذهب بهذا الدعم إلي مستحقيه.. كما أن الدعم رغم تزايد أرقامه لم يفلح في أن يخفف من وطأة ارتفاع الأسعار علي أصحاب الدخول المنخفضة.. فقطاع "كبير" من الناس أصبح يشكو من جنون الأسعار.. ويتفق الجميع علي أن هذا الدعم لا يصل لمستحقيه وخروجا من تلك المعضلة فقد طرحت الحكومة توجها نحو الأخذ بالدعم النقدي بدلا من الدعم العيني بحيث يكون للسلعة سعر واحد تباع به في السوق لكل من يشتريها.. وهذا بالتأكيد سوف يرفع أسعار السلع الأساسية والضرورية التي تباع حاليا بالأسعار المدعمة وسيكون هذا الارتفاع كبيرا وملحوظا بالنظر إلي الفجوة الكبيرة بين التكلفة الحقيقية لتلك السلع والسعر المدعم الذي تباع به فعلي سبيل المثال تبلغ تكلفة أنبوبة البوتاجاز ما يزيد علي عشرين جنيها بينما تباع بما يناهز ثلاثة جنيهات والأمر علي هذا النحو في كل السلع الضرورية.. وسوف يمتد الأمر أيضا إلي أسعار الخدمات مثل تعريفة نقل الركاب بوسائل النقل العام من قطارات وأتوبيسات وغيرها.. فقطاع النقل قد استحوذ وحده في العام الماضي علي نسبة ملحوظة من الدعم وصلت إلي 18 مليار جنيه ويعني رفع هذا عدم ارتفاع تعريفة الركوب لذلك فإن الحكومة وهي علي حق في ذلك تتأني وينبغي لهاأن تتأني في تطبيق نظام الدعم النقدي لأنه يتطلب عدة ضوابط واجراءات كما تحيط به عدة محاذير.. ولذلك فإن الأمر يجب أن يخضع للمناقشة من مختلف الأطراف والجهات وأن تتناول المناقشة عدة جوانب تتعلق بالمحاور التالية:- أولاً: المنهج الذي سوف يستخدم والإجراءات التي سوف تطبق لتحديد من الذي يستحق الدعم وهناك في هذا الصدد عدة بدائل منها ما يعرف بالتحديد الجغرافي الذي يستند إلي مسح المناطق الجغرافية في مصر وتحديد تلك المناطق التي يتركز فيها الفقراء ومستحقو الدعم.. ومنها ما يعرف بالأسلوب الديمغرافي الذي يستند إلي تحليل المؤشرات عن أفراد الأسرة ودخولهم. ولا شك أن لكل طريقة مزاياها وعيوبها ومن الصعب الاعتماد علي أسلوب واحد في قضية تحديد من الذي يستحق الدعم. ثانياً: التدرج الزمني في التطبيق فمن غير المأمون أو الملائم أن يتم التحول من نظام الدعم العيني إلي نظام الدعم النقدي مرة واحدة وبين عشية وضحاها مهما كانت عيوب النظام الأول ومزايا النظام الثاني.. ومن هنا فإن الأمر يستلزم التدرج في عملية التطبيق. ثالثاً: تحليل التوزيع الحالي للدعم بين القطاعات المختلفة والنظر في إمكانية إعادة هذا التوزيع بما يحقق فوائد أكبر وعدالة أكبر قبل البدء في التحول من نظام الدعم العيني إلي نظام الدعم النقدي. رابعاً: المشاركة المجتمعية الواسعة لاسيما من الفئات المستهدفة بالدعم وقد أوردت جريدة "أخبار اليوم" في عددها الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 2007 بعض آراء لعينة من الفئات المختلفة من فلاحين وباعة جائلين وأصحاب معاشات وحرفيين تعكس توجهات مختلفة كما تثير مشكلات مهمة تتعلق باعتبارات التطبيق كما تتعلق بربط مستوي الدعم النقدي بمستويات الأسعار. مرة أخري فأن القضية تتطلب مشاركة من الجميع كما تتطلب التأني وعدم الاندفاع قبل توافر الاشتراطات والمتطلبات اللازمة لسلامة التطبيق وعدالته. ولا شك أن دعم عملية النمو وتحقيق معدلات مرتفعة ومستدامة في نمو الناتج المحلي الاجمالي هو الأمر اللازم تحققه والحرص عليه حتي تتوافر الموارد التي تسمح بإجراء الدعم النقدي أو العيني علي النحو الذي يوفر للمواطن الحد اللازم من متطلبات الحياة الكريمة.. وتأتي قضية التصدير لتشكل بعداً محوريا في هذا الصدد فأحد المصادر التي أمكن من خلالها الارتفاع بمعدل النمو كانت الزيادة في حجم الصادرات ومازالت هناك جهود كبري مطلوبة في هذا المجال لاسيما في الاتجاه نحو الأسواق الأفريقية ذات الفرص الواعدة فقد جاءني من الملحق الدبلوماسي بسفارتنا في ابيدجان أن العام الماضي قد شهد ولأول مرة معرضا للمنتجات المصرية في كوت ديفوار وأن هذا العام يتواصل هذا المعرض الذي من المتوقع أن يحقق أضعاف ما حققه في العام السابق.. وتأتي أهمية السوق الإيفواري كما يقول "أحمد فهمي شاهين" الدبلوماسي في السفارة المصرية هناك في أن هذا السوق لا يعتبر هدفا مهما لذاته ولكن لأنه بوابة واسعة لدخول العديد من الأسواق مثل مالي وبوركينا فاسو، والنيجر التي تعتمد علي ميناء ابيدجان في تأمين جميع وارداتها. ونهيب بوزارة التجارة والصناعة وعلي رأسها الوزير المتميز د. رشيد أحمد رشيد أن تكون تلك التجربة محلا للدعم والتقييم كما لابد أيضاً أن نشد علي أيدي وزارة الخارجية للجهد الخالص الذي تبذله للتمكين للصادرات المصرية في الخارج.